-A +A
أحلام محمد علاقي
يقولون إن المناخ يطبع الناس بطباع معينة مثل النشاط أو الكسل، وهناك كليشيه يصف سكان البلاد الحارة بالكسل، فمثلا في قصص الأطفال والكارتون نجد شخصية الرجل المكسيكي الذي يغط في قيلولة طويلة مغطيا وجهه بالقبعة المكسيكية العريضة المعروفة.

ويتندر الأوروبيون على سكان البحر المتوسط الذين يعتبرون القيلولة من أساسيات بروجرامهم اليومي واصفينهم بالخمول وقلة الإنتاج، ولكن الدراسات الحديثة أثبتت فوائد القيلولة الكبيرة للجسد والعقل والنفسية، وأعلنت أن الدول التي تغط في سبات عميق في فترة الظهر يتمتع أفرادها بصحة أفضل ومزاج أكثر تفاؤلا، فالنوم من مسببات السعادة، وقالت لي صديقتي اليونانية الظريفة والمتفائلة والبشوشة جداً، أنستاثيا، بأن دعوة الضيف لوجبة الغداء في اليونان تأتي ومعها بيجاما وسرير بعد الغداء، فهذا من الطقوس التي يحترمها اليونانيون ويعتبرونها من الضروريات ومن مكونات وجبة الغداء!


ومن خلال سكني في بلاد باردة وأخرى حارة أستطيع أن أؤكد بأن الطقس الحار يهد الجسد وينهكه بينما يساعد الطقس البارد على الحيوية والاستمرار في ممارسة الأنشطة والبقاء خارج المنزل، ففي البلاد الحارة يختبئ الناس من الطقس الموحش في بيوتهم داخل حجرات إسمنتية يتعايشون مع الجو الصناعي والتبريد الممرض.

وفي الأدب توجد شخصيات اشتهرت بالكسل والتنبلة ويحضرني الآن سير جون فولستاف الذي ظهر في ثلاث من مسرحيات شكسبير ومنها هنري الرابع وهو شخصية تعيش على هامش المجتمع بل في قاع المجتمع السفلي يقضي وقته كسولاً متمددا أو قاعداً مع المجرمين والفاسدين في حانة بلا عمل يعيش معتمدا على الديون أو على النصب والسرقة ويحاول الاستظراف مع النساء بصفته فارسا ويأتي كل ذلك في إطار كوميدي ولكنه رمزي.

وشخصية أخرى كارتونية وهي جارفيلد اشتهرت بالكسل وتقديس مبدأ التنبلة، وجارفيلد عبارة عن قط برتقالي اللون ذي وجه جذاب وجسد سمين لا يفتأ من أكل اللازانيا والتي لا يخفى على حضراتكم مدى فداحة ذنب استهلاكها من ضمن قائمة المأكولات فهي من هوائل المسمنات وتأتي مثقلة بكميات وافرة من البشاميل والزبدة والجبن والباستا واللحم المفروم مرتفع الدهون والكريما المشبعة ذات السعرات العالية بطريقة خيالية. ويقول المؤرخون بأن الملك البريطاني ريتشارد الثاني الذي عاش بالقرن الرابع عشر كان من عشاق اللازانيا وكان طباخ القصر يعدها له مع تحويرها لتناسب الذوق البريطاني والمثير هو أن الوصفة كانت خالية من الطماطم وذلك ببساطة لأن الطماطم لم تكن قد وصلت أوروبا بعد، فهي لم تدخل أوروبا إلا مع كولومبوس في نهايات القرن الخامس عشر.

وعودة للكسل، فأنا الآن وبعدما فرغت من كتابة هذا المقال، قرصني فجأة فيروس الكسل فرغم أن الوقت ليلاً ورغم الجوع الذي يعتصر معدتي فأنا لم آكل أي وجبة حقيقة طوال اليوم لانشغالي إلا أنني لا أملك الدافع الذي يقنعني أن أقوم لآكل إطلاقاً. فالتعب تغلب على الجوع، ويا سلام لو اتمدد على «شيزلونج» مثل امبراطور روماني ويأتي لي أحد بعنقود العنب الشهير الذي يصورونه في الأفلام الكارتونية ويلقمونني إياه فأنا لن أمانع إطلاقاً. فأنا اشتقت لطعم ورائحة الكسل الأحلى من العسل.