-A +A
عبدالمحسن هلال
منذ متى وأمانة مدينة جدة تعالج تصريف مياه الأمطار، كثيرون يعيدونها لأكثر من ثلاثين عاما، لن أخوض في التاريخ واستحضر قصاصات أخبار عن فترات أقدم، تكفيني العشر سنوات الماضية، كم مرة خرج علينا مسؤول بالأمانة أمينا أو وكيلا أو مديرا لمشاريع، يخبرنا عن مشاريع جديدة لتصريف السيول، تذكرون ولا شك من دعا لتمطر بشدة ليذهب الخوف النفسي لسكان جدة من الأمطار، ثم ما لبث أن انهار ادعاؤه مع أول غشقة مطر، رشة الأسبوع الماضي أغرقت جدة برغم تصاريح مسؤوليها المسبقة بحسن الاستعداد والتأهب لأي طارئ.

بعد كل هذه المعاناة المزمنة مع مشاريع التصريف، تأتي الأمانة لتعلن اليوم أن شبكة التصريف الحالية تغطي 25% من جدة فقط، وتبشرنا أن شركة عالمية ستحل الأزمة (المدينة، 13 ديسمبر) كل المشاريع والشركات العالمية السابقة، وكل تلك المليارات والسنوات لتغطية 25%؟ أين نزاهة أين ديوان المراقبة العامة لمقارنة المليارات التي صرفت مع ما تم إنجازه، أصغر موظف بأية هيئة رقابية يمكنه مقارنة تصاريح المشروعات، أحجامها أرقامها وتكلفتها مع ما تم إنجازه، أم أن هؤلاء المسؤولين ليست لهم ذاكرة، أم يعيشون واقعا افتراضيا داخل أبراجهم؟ أدهى من ذلك اكتشاف الأمانة أن كمية المياه المتدفقة في الأنفاق أكبر من قدرة مضخات الشفط، هذه معلومة يعرفها طالب الابتدائي، ماذا فعل خبراؤكم ومهندسوكم حيال تكرارها؟ تشتكي الأمانة من تمديدات الشركات، هل تصدقون إذا قلت لكم إن أمانة جدة لا تملك خريطة تفصيلية بالتمديدات تحت الأرض؟ للأمانة لم ترع أمانة جدة الأمانة التي أولاها إياها ولي الأمر ولا ثقة المواطن في مشاريعها.


أتجاوز كل هذا لأكرر سؤالي القديم عن مهزلة التصريف والتحلية بمدننا، كيف نصرف المليارات لتصريف مياه الأمطار للبحر ثم نعود لاستخراجها وتحليتها بمليارات أخرى، من يوقف هذا الهدر؟ ألا يمكننا توجيه هذه المليارات لبناء المزيد من السدود لحفظها وإعادة تكريرها بكل الدرجات لكافة الاستخدامات، آبارنا الجوفية تنادي، مشاريعنا الزراعية تنادي، مشاريعنا المائية تنادي، وكل عرق في صحارينا ينادي بوقف هذا الهدر المائي المالي والاستفادة من غيث الله ورحمته.

لا أدري حقيقة لمن أوجه ندائي، أمانات المدن حال ميؤوس منها، فإداراتها تعيش حالة أزمة دائمة وتسكن داخل صندوقها، وزارة الشؤون البلدية عجز خبراؤها لسنين عن حل الأزمة، ونحن نحتاج حلا من خارج الصندوق. لم يبق لنا أمل، بعد الله سبحانه، إلا أن يتبنى مجلس الاقتصاد والتنمية مشروعا وطنيا للاستفادة من مياه الأمطار، ينقذ مدننا من الغرق، يوقف عطشنا وعطش مزارعنا وصحارينا، يوفر علينا مليارات التصريف للبحر، ومن يدري، قد يوفر علينا مليارات محطات التحلية.