-A +A
عبدالمحسن هلال
أعود لحديث الفرصة التي سيتيحها لنا تحسن أسعار النفط، أعرف أنها فرصة متأرجحة، ومبكرا بدأ تحديها ومن أمريكا تحديدا برفع سعر الفائدة، وسيتلوها تحديات أخرى، إلا أن أسواق النفط تمكنت من امتصاص صدمة الدولار القوي، وبتمسك الجميع باتفاق فيينا، يمكن استيعاب الصدمات اللاحقة. علينا أن نستغل هذه الفرصة فكريا وماديا، فكريا لتغيير نظرتنا الاقتصادية، وماديا باستغلال مواردها مثاليا لتنفيذ بنود وتفعيل آليات التغيير بحرفية ومهارة، فالمرحلة لا تحتمل المزيد من التجارب والطروحات النظرية غير المؤصلة على الواقع الذي نعيشه.

تابوهات كثيرة سيطرت على نمط تفكيرنا وإداراتنا خلال العقود الماضية وآن إسقاطها، أركز على ثلاث منها اليوم، أولها سيادة التفكير النفطي الذي أبقانا سبعة عقود أسراه كمورد وحيد للدخل، ثانيها إمكانية الاعتماد على القطاع الخاص ـ الطفيلي التكوين ـ في مشاريع التنمية، بدون تنظيم للآثار الجانبية للخصخصة اقتصاديا واجتماعيا رأس سنامه رقابة فعالة، لم نر تجسيدا لحقيقة أن شركاتنا هي الأقوى عربيا، حسب قائمة «فوربس» للعام 2016، كلما رأيناه تفعيلا لمفهوم «البقرة الحلوب». ثالث التابوهات إمكانية نظامنا البيروقراطي القديم تنفيذ أفكارنا الجديدة، كثيرون يقاومون التغيير بجهل وأكثر منهم يستفيدون من عدم التغيير. استمرار الاقتصاد الوطني ككل معتمدا على الانفاق الحكومي طوال سبعة عقود لا يمكن تغييره خلال عقد واحد، لكن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، وهذا يتطلب إعادة هيكلة إدارية شاملة لفرض الإصلاح الاقتصادي والسياسي الذي يطالب به ولاة الأمر قبل المواطن.


ينصحنا صندوق النقد الدولي باستهداف سعر 78 دولارا للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتنا، وهي نصيحة ملغمة، صحيح أننا نرغب في توازن الميزانية ولكن ليس على حساب العودة للاعتماد على النفط، هدف تنويع مصادر الدخل أهم وأجدى من توازن الميزانية، دول كثيرة تتعايش مع عجز موازناتها سنوات بهدف تحقيق تطلعات أكبر. يمكننا بسعر أقل للبرميل مواصلة مشاريعنا التنموية، ويمكننا باحتياطنا الضخم حماية هذا السعر، منعا لتذبذبه ومنعا لتأثير النفط الصخري الأمريكي عليه مع أسعار أعلى. مواردنا الحالية تمكننا من استمرارالانفاق ولكن بمعدل أرشد، لقيادة حركة التنمية باستخدام القطاع الخاص، أي وضعه أمام واقع، إما أن تشارك أو أن بديلك الأجنبي جاهز للمشاركة باستثمارات لها عوائد مجزية للطرفين.

أما نظامنا البيروقراطي، الذي شبهته سابقا بالعربة المتهالكة، فما زال «ينتع» في تنفيذ أفكارنا الجديدة، وزارات كالإسكان والعمل والطاقة، نقرأ عن مشاريعها ولا نراها، وزارات كالصحة والشؤون البلدية لا نرى إنتاجا لها، هيئات للرقابة كنزاهة وديوان المراقبة العامة لا نرى تأثيرا لها. إشكالية معظم وزاراتنا ليست هيكلية وحسب، وليست ترهلا فقط، إشكاليتها فكرية أولا، فمن الفكر يتولد التنظيم.