-A +A
محمد العصيمي
تلك المذيعة العربية على الشاشة الإسرائيلية، أو على شاشة دولة العدو، لم تطق نفسها صبرا ولم يطق ضميرها تحملا فخرجت على دولتها (الباغية) وعلى العالم أجمع تعلن أن ما يحدث في حلب (هولوكوست).

لقد امتلكت الشجاعة الكافية لتتذكر العرب الذين تُنتهك أرواحهم وينتهك مرضاهم وعجائزهم وأطفالهم في حلب أمام أنظار الدول التي ذكرتها بأسمائها مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأمريكا وأمام أنظار العالم كله؛ ذلك العالم الذي وصفته بوضوح شديد بالعالم المنافق.


كانت رسالتها الإعلامية، من حيث المكان والزمان والنبرة الواثقة والصادقة، تعدل ملايين من رسائل بعض إعلاميي العرب الخائرين والمتقاتلين على فتات الموائد. وقد تعد هذه الرسالة، التي حملتها وسيلة إعلام إسرائيلية، اختراقا هائلا لثوابت (النفاق) الإعلامي الذي يعم العالم من أقصاه إلى أقصاه. وكنا رأينا أمثلة محلية أمريكية على هذا النفاق أو هذا التدليس والكذب الإعلامي فيما سبق وتلا حملة الرئيس الأمريكي المنتخب ترمب.

كان ذلك السقوط الإعلامي الأمريكي المحلي مدويا بعد أن عراه المواطن الأمريكي أمام نفسه وأمام مصالحه وغنائمه الذاتية التي لم يعد هذا المواطن (العادي) يتحملها أو يتحمل بقاءه تحت نظيرها. السقوط ذاته للسياسة والإعلام الأمريكي حدث في سورية، حيث كما قالت تلك المذيعة الشجاعة أن شر المتفرجين لا يقل عن شر القاتلين. ولم يكن هناك منذ اندلاع ثورة سورية إلى الآن، إذا استثنينا العرب العاجزين، أكثر فرجة من الأمريكيين على الحرب السورية وعلى هذه الأوضاع الإنسانية المأساوية.

ما يلفت نظري دائما، على المستوى الإنساني، أن الصوت الحر الشريف لا بد أن يظهر. وقد يظهر من حيث لا نتوقع كما حدث في صوت هذه المذيعة التي قالت إنها عربية ومسلمة وتنتمي في جنسيتها لما يسمى دولة إسرائيل. وأظنها أرادت أن تقول إن كل ما يتنازعها دينا وعرقا وجنسية لا يفت في عضد إنسانيتها وشعورها تجاه نكبة الحلبيين ونكبة السوريين عموما، التي لا تقل عن نكبات اليهود التاريخية وعن نكبات عدد من الشعوب عددتهم وذكرت العالم (المنافق) بهم.

هي في النتيجة صرخة كبرى مستحقة وإن كانت غير متوقعة. ولربما تعلم منها الذين ما زالت أصواتهم خافتة أو مجاملة أو مرتعشة.!.