-A +A
عزيزة المانع
أظمتني الدنيا فلما جئتها،،، مستسقيا، مطرت عليَّ مصائبا!

على كثرة أبيات المتنبي التي هجا بها الدنيا وبكى فيها حظه منها، لم أجد بيتا تقطر من بين كلماته مشاعر الخيبة سوداء مرة، كهذا البيت، بيت يطبق عليه الظلام، وتتدثر أحرفه بالتشاؤم، يعكس ما كان في نفس المتنبي من الشقاء والشعور الحارق بالحرمان وعدم الرضا.


أن تخذل الدنيا أهلها فلا تنيلهم كل ما يطمعون فيه، هي حقيقة هذه الدنيا وسنتها التي ارتضاها لها الله، فليس كل ما يطمع فيه الإنسان يحصل عليه، ينال شيئا، وتفوته أشياء، على هذا فطر الله الدنيا، وهكذا أراد لخلقه. لكن كثيرا من الناس لا يرضون بذلك، وكلما تبخرت أحلامهم، اتهموا الدنيا بخذلانهم فأمطروها هجاء.

بطبيعة الحال، ليس المتنبي وحده من يتصف بمثل هذه الصفة، هناك كثيرون مثله، لا يرون من الحياة سوى وجهها الأسود، تشرق عليهم شمس النهار زاهية فلا يرون ما فيها من جمال الضياء، ولا ما يتمتعون به من نعمة الإبصار، وإنما يرون فقط وهج الشمس وحرارتها، تجدهم دائما ناقمين، لا يشعرون بالرضا مهما حسن حالهم وأغدق الله عليهم من نعمه.

حين تكثر الأطماع ولا تتحقق، أو لا يتحقق منها سوى القليل، يستعر العطش، وتتقد نار الإحساس بالحرمان، فتتولد النقمة في الصدر، والنتيجة هي الانقباض والاكتئاب، تتضخم الصغائر حتى لتبدو أتفه الأحداث في حجم فيل وثقل جبل، وحين يثقل الحمل على صاحبه يسقطه، وما أكثر الساقطين الذين لم يستطيعوا تحمل الأثقال التي يلقون بها فوق ظهورهم.

ما يصيب الإنسان من الحرمان لا يخرج عن أحد حالين: إما أن يكون حرمانا لا حيلة له في دفعه كفقد حبيب أو إصابة بإعاقة أو مرض مستعص وما شابه ذلك، وليس له سوى أن يستسلم لأمر خالقه محتسبا صابرا ولن يضيع الله أجره. وإما أن يكون حرمانا موقتا كالفشل في الدراسة أو الخسارة في التجارة أو التعرض للظلم أو ما شابهه، وهذا بالامكان التغلب عليه بالعمل والمثابرة الجادة على تغييره إلى ما هو أفضل، وما للدنيا من ذنب في كلا الحالين.

لو أن الإنسان آمن وسلم بأن ما يصيبه من خير أو شر، إنما هو بقضاء الله وليس لأحد يد فيه، لما عاتب حظه ولا هجا الدنيا، ولأنقذ نفسه من الشعور الدائم بالتعاسة والشقاء، وهذا هو الأهم.