-A +A
محمد العصيمي
أقر، كما ربما تقرون، بأن ميزانية 2017 جاءت على أفضل مما كنت أتوقع، خاصة أن الوزراء، أو بعضهم لم يخاطبونا بصورة صحيحة أو مقنعة لسنة كاملة. وكانت نتيجة ذلك نشوء شيء من عدم الثقة لدى الناس حيال ما ينتظرهم. وهذا يعني أن إستراتيجية خطاب الحكومة تتطلب قدراً من المراجعة وقدرا من التصحيح لنوع هذا الخطاب وجودته. ما حملته الميزانية من أرقام وتقدم على مستوى العجز يطمئن المواطن بأنه، على الرغم مما يحيط بالمملكة من جبهات مستعرة، وعلى الرغم من انهيار أسعار النفط، فإن الدولة تتوافر لديها إرادة (التدبير) الاقتصادي الحصيف الذي يجعلها قادرة على عدم المس المباشر بمعيشة المواطنين أو مضايقة هذه المعيشة المتغيرة بحسب ظروف الواقع الاقتصادي الذي يعم العالم كله وليس نحن فقط.

الحكومة، أيضا، أثبتت قدرتها على ضبط أجهزتها وإزالة الشحوم الزائدة في جسد هذه الأجهزة بعد أن تراكمت هذه الشحوم وتضخمت لعشرات السنين، وبعد أن أصبحنا بإزاء استحقاقات اقتصادية جديدة تتطلب أن نعترف بالترهل وأن يكون مشرطنا الأول في غرفة العمليات الاقتصادية إزالته وإخضاعه لمزيد من عمليات الشفاء وليس التجميل الذي كانت نتائجه سيئة إن لم أقل كارثية.


من أفضل ما بشرت به الميزانية الجديدة وأكدت عليه حساب المواطن الذي سيوصل دعم السلع لمن يستحقه. وبذلك سنتخلص، إذا تم تطبيق هذا الحساب بشكل جاد وصحيح، من سف الأثرياء لهذا الدعم على حساب ذوي الدخل المنخفض أو ذوي الدخل المحدود. وهذه النقطة، بالمناسبة، كانت وما زالت حديث الناس بعد صدور الميزانية. ومن الضروري تبسيطها وتقديمها إعلاميا بما يحل بعض ألغازها أو لغطها، كما يجب على المسؤولين المعنيين بها عدم الوقوع في فخ الشكليات والقرارات العشوائية التي وقعت فيها بعض البرامج من قبل.

كذلك، فإن مما أفرزته لغة الميزانية الجديدة، هو (التفعيل) الحقيقي لدور القطاع الخاص. نحن سمعنا من قبل، حتى من بعض الوزراء، أن مشاركة القطاع الخاص ما زالت تدور في إطار الأماني أو الشعارات ولم تبلغ حد التأثير المطلوب. والميزانية الجديدة تلح على دور أساسي لهذا القطاع في الاقتصاد والدخل الوطني وسننتظر التطورات على هذ الصعيد، لا سيما في إطار الإستراتيجيات والخطط التي ستجعل هذا القطاع رقماً فعلياً في البدائل الاقتصادية المؤثرة.

المشروعات المتوسطة والصغيرة كان لها حصة لا بأس بها من حديث الوزراء بعد صدور الميزانية. وهذا جيد لكنه، مثل وضع القطاع الخاص، يحتاج أيضا إلى تفعيل الإستراتيجيات والخطط الموجودة أصلاً لكي تحقق هذه المشروعات قفزات حقيقية على مستوى المساهمة في الناتج المحلي وعلى مستوى تحقيق انطلاقات أوسع في ريادات الأعمال لدى الشباب.

يبقى أنني لم أسمع، أو ربما لم أنتبه ما إذا كان قد تم التطرق لحلول البطالة التي تؤرق الجميع. وهذه مشكلة تتطلب إرادة لا تقل عن الإرادة الناجحة في إدارة الوضع الاقتصادي للبلد خلال السنة الفائتة. ولربما تُركت في انتظار ذوبانها تلقائياً في السوق بعد تطوير آلياته أو في مؤسسات القطاع الخاص بعد تطوير وتفعيل دوره على الطريقة التي ينشط فيها هذا القطاع في كثير من الدول.