-A +A
محمد الساعد
من أين تحقق الدول إيراداتها المالية، خاصة ذات الموارد الطبيعية المحدودة، أو ذات موارد ناضبة لا تفي بحاجاتها المالية، الإجابة هي: تحققها بالتأكيد من الضرائب والرسوم، ودورها أن تصنع البيئة الاقتصادية الجاذبة، لكي تزدهر الصناعات وتولد الوظائف، وتربح الشركات والمؤسسات المالية، وبالتالي تحقق إيراداتها مما تقتطعه منها باسم الضرائب والرسوم، ما تستطيع به إعادة تشغيل دولها وتقديم الخدمات لشعوبها.

تعرف الإيرادات العامة للدول، حسب أستاذ الاقتصاد الدكتور عصام بشور: بأنها مجموع الأموال التي تجبيها الدولة من مختلف المصادر والجهات، لتمويل النفقات العامة والإيفاء بالحاجات العامة.


إذن معظم الدول بما فيها الأكثر ازدهارا في هذا العالم كالدول الصناعية، تقوم ببناء نظام إيراداتها على مجموعة من المصادر أهمها، الضرائب، الرسوم، الاستدانة، إصدار الصكوك والسندات، والمعونات الخارجية، وأخيرا الموارد الطبيعية والأراضي التي تمتلكها إن وجدت.

في الولايات المتحدة الأمريكية تتنوع الضرائب والرسوم بتنوع الخدمات والولايات التي تطبقها، وتبدأ من ضريبة عامة إلى ضرائب متخصصة تطبق على منتجات متنوعة، منها العقارية، وأخرى على الدخل والأرباح والمبيعات، ولا تنتهي بتحقيق رسوم بلدية على الطرق والحدائق والنظافة والمياه، بل ها هي اليوم تلاحق بقوانين عابرة للحدود، كل من يحمل جنسيتها، بضريبة على الدخل وضرورة الإفصاح عن ثرواتهم.

ويعد التهرب الضريبي أكثر الجرائم خطورة في الغرب، بل إن العقوبات التي تفرضها الحكومات على المتهربين تعد هي الأقسى ضمن قوانين العقوبات؛ لأن نظام تلك الدول يقوم في بقائه على الشكل الضريبي وبقائه حيا، إذ بدونه تنهار ولا تستطيع الدولة الالتزام بواجباتها، تجاه شعبها.

السعودية عاشت مثل غيرها على الضرائب والرسوم منذ نشأتها، وهناك تاريخ طويل يؤكد ذلك، فالمداخيل البترولية التي اكتشفت لاحقا، لم تكن تكفي الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية؛ لأن الأسعار كانت منخفضة جدا، ولأن حصتها منها كانت مقننة، قبل أن يتم تخصيص الشركة وتحويلها لسعودية بالكامل.

الضرائب التي كانت تفرض على معظم السلع والخدمات تراجع دورها الحيوي، نهاية السبعينات بسبب التدفقات النقدية الضخمة على الدولة بسبب ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار برميل النفط، وهو ما جعل الدولة، تتولى دفة الاقتصاد، وتعيد برمجته وتتحمل كافة مسؤولياته.

كان الهدف التعجيل ببناء نهضة ملموسة، واختصار الزمن، وهو أمر أفلح كثيرا، لكنه خبأ في ثناياه قنابل اقتصادية مفزعة سرعان ما انفجرت.

أهمها الاتكالية الهائلة التي ارتهن إليها المواطن وأصحاب الأعمال، بعدما أصبحت الدولة هي المحرك الوحيد للاقتصاد، وأضحت الملامة إذا تباطأ أو تراجع، بل إن تلك النظرية التي تورطنا فيها جميعا، دفعتنا للهروب من الإصلاح الاقتصادي والمالي عقودا، لأننا خشينا «زعل» الناس، وكلما تعبنا وضاقت بنا السبل، جاء القدر ورفع أسعار البترول، فنسينا الإصلاحات الاقتصادية، وعدنا للاسترخاء من جديد.

اليوم لم يعد من مجال للتأجيل أو التراجع، فالأسعار النفطية أمام تكاليف ومتطلبات «التشغيل اليومية» للمملكة، لا تكفي نصفها كما هو واضح في ميزانيات 15 – 16، والمتوقع في السنوات التالية، بل إننا أمام خيارات صعبة، لعل أهمها تكبيل قرارنا السياسي، لدول ومؤسسات دائنة، لو لم نبدأ في الإصلاحات القاسية، التي ستعود بعد سنوات بالتوازن الاقتصادي لصالح الدولة والمواطنين.

فإما حياة بكرامة، ومن صنع أيدينا، أو الاستسلام والارتخاء وترك الأمور في مسار الانهيار، وبالتالي نصبح دولة نستدين لكي نسدد، ونسدد لكي نستدين، والدول النفطية كفنزويلا، وغير النفطية، مثال لما يمكن أن يحدث لمستقبلنا لا سمح الله.