-A +A
عزيزة المانع
إذا كان الدكتور موافق الرويلي قضى زمنا يدعو إلى مكافحة أسواق بيع شهادات الدراسات العليا، وعمل على إحراج مشتريها بذكر أسماء من عرف منهم وبينهم أعلام معروفون، فإن أمامه الآن مهمة أخرى تنتظر منه أن يكافحها، وهي لا تقل سوءا أو ضررا عن بيع الشهادات.

فقد بات أمرا شائعا أن تقلب صفحات الإنترنت، أو ترتاد بعض محلات التصوير والنسخ، فتجد أمامك إعلانات بارزة وصريحة عن الاستعداد لتقديم (المساعدة في إعداد رسائل الماجستير والدكتوراه وتقديم خدمات بحثية متكاملة)!


أعرف أن الغش والتزييف والكذب ليس أمرا خاصا بنا فقط، فمثل هذه الإعلانات التي تروج للقيام بالدراسات البحثية نيابة عن صاحبها، تنتشر في معظم دول العالم المتقدم أو غيره، فهي مشكلة أخلاقية عالمية، لكن كل دولة تتعامل معها بطريقتها الخاصة، التي قد تنحو بإيجابية نحوها فتحد منها، أو تنحو بسلبية فتتجاهلها وتصد عنها.

في بلادنا لا أدري أي منحى أتخذ؟ بل إني لا أدري ما الجهة المسؤولة عن اتخاذ ذلك؟ أهي وزارة التعليم؟ أم وزارة العمل؟ أم نزاهة؟ أم إننا في حاجة إلى وزارة للأخلاق لمتابعة مثل هذا الفساد الأخلاقي؟

من المسلم به أن هذا النوع من الانحرافات الأخلاقية لا يكتمل وقوعه إلا متى تشارك طرفان في فعله، الطرف الذي يبيع الأبحاث، والطرف الذي يشتريها، ولكن أيضا هناك طرف ثالث يعد شريكا سلبيا في تعزيز هذا الغش العلمي، يتمثل في أساتذة الجامعات الذين يجيزون الأبحاث المزيفة، ويغدقون الدرجات على أصحابها غير مكترثين بفحصها جيدا وتبين حقيقتها، رغم أن هذا النوع من الأبحاث قليلا ما تخطئه العين الفاحصة الدقيقة، فالأستاذ عادة يعرف مستوى قدرات طلابه المعرفية، كما أن الأبحاث المعدة للطالب إما أن تكون في مستوى من الجودة يفوق مستوى قدراته التي يعرف الأستاذ محدوديتها، وإما أن تكون غير متطابقة مع متطلبات الأستاذ وتوجيهاته، أو غير ذلك من المؤشرات التي تثير الشبهة عند الأستاذ الحريص.

ما زلت أذكر موقفا مؤلما مرت به إحدى طالبات الماجستير، التي كانت تعد خطة بحثية لرسالتها وكنت مشرفة عليها، فعندما زارتني في مكتبي لمناقشة الخطة، وكانت خطة ضعيفة وغير منهجية تحتاج إلى إعادة كاملة تقريبا، صعقت الطالبة وانهارت تبكي بحرقة، ولما اعتذرت منها لظني أني قسوت عليها في نقد خطتها، قالت لست أبكي من كلامك، أبكي لأني لست أنا التي أعددت هذه الخطة، وإنما دفعت من أجلها مبلغا كبيرا لمكتب يعد الأبحاث وتوقعت أن يعدها بطريقة أفضل مني، وما يبكيني الآن أني دفعت للمكتب المبلغ الوحيد عندي، الذي كنت قد اقترضته لاستقدام خادمة تعينني على أداء شؤون البيت وتخفيف الحمل عني!

هذه الطالبة لا أظنها الوحيدة فيما أصابها من الظلم، ورغم أنها شريكة في الإثم، إلا أنها في حاجة إلى من يحميها هي وأمثالها من ارتكاب هذه الخطايا الأخلاقية الضارة لها وللمجتمع.