-A +A
أحلام محمد علاقي
لاشك أن الانفتاح الثقافي الذي نعيش فيه في ظل الانفجار المعلوماتي اليوم يحتم علينا مواكبة العصر إلكترونيا وثقافيا وحتى لغويا. وقديما قالوها: من تعلم لغة قوم أمن مكرهم. وربما هنا لا يقصدون أنه يأمن مكرهم لأنه يفهم مايقولون وسيعرف إن كانوا يخططون ضده، فهذا تفسير سطحي للمقولة. وإنما فائدتها أعمق بكثير، فتعلم اللغة هو تعلم ليس فقط للأصوات والكلمات وتركيب الجمل وإنما هو تثقيف في آليات الحوار المختلفة وطرق التفكير الأخرى والتباينات الثقافية الشاسعة بين الأمم المختلفة - فمن يتعلم لغة يتعلم ثقافة ويتدرب على ماهو مقبول أو مرفوض وماهو متوقع بمواقف معينة وما هو مرفوض والعادات والتقاليد تختلف أحيانا بما يمكن أن يسبب إهانة غير مقصودة للطرف الآخر من ثقافة مختلفة.

أعطيكم مثالا بسيطا: كانت لدي صديقة أمريكية وهي دكتورة جامعية تعمل ببلد خليجي وكانت تقول لي إن الطلاب لايحترمونها وعند ملاحظتي لأسلوبها معهم اكتشفت بأنها مثلا تحدث الطلاب وهي قاعدة وحذاؤها موجه نحو وجوههم، فقلت لها هذه الحركة التي تعتبر تلقائية في الثقافة الأمريكية تعتبر مهينة جدا في ثقافتنا العربية فغير مقبول أن تضعي حذاءك مقابل وجه أي إنسان. وذات مرة تحدث معنا بروفيسور في بريطانيا يحكي قصته عندما كان شابا حديث التخرج وسافر ليعلم الإنجليزية في إندونيسيا وفي مرة بينما كان يشرح الدرس رأى طالبا يبدو حزينا فمسح على شعره وأكمل الدرس. وفي اليوم التالي أتى سبعة من أقارب الصبي يسألون المدرس بحزن لم فعل ذلك؟ فتعجب وتساءل عما فعل؟ واتضح له أن في ذاك الجانب بإندونيسيا مجرد إمساك رأس أي إنسان حتى ولو بالمسح عليه يعتبر إهانة كبيرة وحركة فيها تعنيف وتهديد.


وعودة لموضوع اللغات فمما يثير حزني رؤيتي لمخرجات بعض مدارسنا من ناحية البراعة اللغوية عند تعلم اللغات الأجنبية. فإن كان الأهل لا يستطيعون دفع المبالغ الباهظة للمدارس الخاصة - والتي أصبحت باهظة بطريقة أيضا لا تتناسب مع ما قدمه من مخرجات تعليمية - فلن يتخرج الطالب أو الطالبة عادة بالمستوى المطلوب في اللغة الإنجليزية - وهي حاليا اللغة الوحيدة التي تدرس في المدارس للأسف وليت الطلاب يتخرجون وهم يجيدونها.

وبالمناسبة فجيل «والدتي» درس إلى جانب الإنجليزية اللغة الفرنسية في مدارس المملكة، وهذا في قلب مكة في السبعينات في مدرسة الشيخ عمر عبدالجبار الشهيرة رحمه الله، ودراسة والدتي للفرنسية وإجادتها للإنجليزية ساعداها حينما تزوجت سفيرا وعاشت مع والدي في باريس وغيرها من الدول، فهل يمكن إنكار فضل العلم وهل ترون كيف تطور التعليم منذ تلك الحقبة إلى الآن وياللحسرة!

فالآن لا يوجد من اللغات الأجنبية إلا الإنجليزية ومن المألوف جدا أن نسمع أن فلانة أو فلانا سافرا ليتلقيا التعليم بجامعة في الخارج ولكنهما احتاجا لكورس لغة إنجليزية مكثف قبل الدخول للجامعة! وأحيانا يدرسون الإنجليزية فقط لمدة سنة كاملة وهو اهدار بين للوقت والموارد. لم يحدث هذا؟ وماذا كان يحدث في المدرسة طوال تلك السنوات في درس الإنجليزية؟

ولكن ماذا اقول، فحتى اللغة العربية الآن في المدارس تحتضر فيتخرج الطالب وهو في حالة «أبيض يافل» لا عربي ولا إنجليزي ولا فرنسي ولا رياضيات ولا جغرافيا ولا تاريخ ولا كمبيوتر ولا حتى إقبال على القراءة الخارجية. تسأل الطالب أين البرتغال مثلا فلا يعرف وتقول له متى قامت الحرب العالمية الثانية فيتنح!

ولموت اللغة العربية بالذات موضوع آخر بإذن الله.