-A +A
عبدالمحسن هلال
من الأخبار المبهجة هذا الأسبوع إعلان رئيس غرفة المدينة المنورة توقيع اتفاق مع الغرفة التجارية لمدينة جبزي التركية ممثلة في شركة جزيللار، ذات الخبرات الدولية، لإقامة مدينة صناعية بمواصفات عالمية في المدينة المنورة برأسمال سعودي تركي بلغ نحو 188 مليون ريال، وأنها ستبدأ العمل بعد ستة أشهر على مساحة 10 ملايين م2، وبثلاثة آلاف مصنع يشكل إنتاجها ما بين 80-90 من الصناعات المتنوعة على غرار نظيرتها في إسطنبول، وستكون المدينة المنشودة تحت إشراف هيئة المدن الصناعية. (المدينة، 1 يناير)

في تفاصيل الخبر أن شركة جزيللار ستتولى إنشاء محطات التقنية وتأسيس المصانع وتشغيلها، وستتولى شركات تركية أخرى إنشاء مصانع لها داخل المدينة، جميل كل هذا، ماذا سنتولى نحن؟ يقول الخبر سيؤسس الجانب السعودي شركة مساهمة مغلقة لمنتسبي الغرفة لتنفيذ المدينة المنشودة، بداية لا أدري لمَ اقتصرت المساهمة على منتسبي غرفة المدينة، ربما نواة لمشاريع أكبر تتطلب مبالغ أكبر، فنوعية هذه المشاريع بالفعل تتطلب مبالغ أكبر، لكنها تتطلب قبلا خطة وطنية تساهم فيها كل غرفنا التجارية الصناعية وهيئة الاستثمار العامة. السؤال الأهم، هل سنكتفي دائما بدور الممول الرأسمالي؟ ماذا عن بقية عناصر الإنتاج، هل ستكون العمالة والإدارة والمواد الخام كلها تركية، أسأل لأن الخبر لم يوضح إن كان هناك خطط لتوطين وظائف المدينة المنشودة أو للتدريب، أو لاستغلال مواد أولية لدينا، أم ترانا سنكتفي بتوطين المصنع، لنكتب «صنع في السعودية».


لدينا، ولله الحمد والمنة، 35 مدينة صناعية في طول البلاد وعرضها، كم نسب التوطين فيها، حتى لتبدو وكأنها مدن للأجانب، نعالج بطالة مواطني دول أخرى ونتغاضى عن بطالتنا، وإلا أيعقل أن كل مهندسينا وباقي متخصصينا المهنيين غير مؤهلين للعمل بهذه المدن، هل أنشأت هذه المدن معاهد لتدريب وتأهيل شبابنا عبر عمرها الطويل لإحلالهم مكان الوافد، أم أن عقدة الراتب والأجر مازالت مسيطرة. الهدف من إنشاء المدن الصناعية هو خلق قاعدة صناعية بتخليق وامتلاك عناصرها الإنتاجية، قد يتشارك في رأسمالها النقدي عدة دول، إلا أن فائدتها تصب في الدولة الأم، القاعدة الصناعية ليست رأسمالا ماديا فقط، هي رأسمال بشري في الأساس منبعه إنسان الوطن صانع التنمية والمستفيد منها.

الاكتفاء بالاستثمار المادي سيؤدي إلى تراكم مالي تستفيد منه قلة، بينما هذه القلة ستكون استفادتها أكبر لو تركز أكثر على الاستثمار في البشر، وهذا يتطلب من قطاعنا الخاص، وكذلك العام، النظر أبعد وأشمل، من خلال خطة تكاملية تبدأ بإعداد الكوادر المؤهلة لإدارة وتشغيل المدن الصناعية، بل والمساهمة في الحركة الصناعية داخل المدينة، تطويرا وابتكارا، هكذا نستحوذ على التقنية بدلا من مجرد استهلاكها.