-A +A
محمد العصيمي
ما زلت أراقب وأتابع هذا الجدل (السخيف) حول قتلى تفجير إسطنبول، رحمهم الله، في رأس السنة: هل سيذهبون إلى النار أم يذهبون إلى الجنة؟! وما زلت، أيضاً، مأخوذاً ومفجوعاً بالجرأة على الله ممن وضعوا أنفسهم وكلاء في أرضه على خلقه يوزعون صكوك الغفران أو صكوك العذاب كيفما يشاؤون دون أن يرف لهم جفن أو يخفق لهم قلب أو يتحرك لهم ضمير.

لم يترك بعض هؤلاء ولو حتى أدنى احتمال لرحمة الله التي تسبق عذابه لكل خلقه وليس فقط لأشخاص وجدوا في مكان هو يعلم نواياهم فيه وأفعالهم وبعدهم أو قربهم منه. ولست أعلم من أين أتى بعض المتجادلين بأنه هو وليس غيره من ضمن الجنة بأعماله بينما أعمال الآخرين في تلك الليلة، أو في أي زمان ومكان، محكوم عليها بالعذاب المهين لأنهم ليسوا على جادته أو ليسوا من ملاك الحقيقة المزعومة المطلقة.


لقد تبدى في هذا الموقف عنف نفسي يعتنقه بعض الناس وربما كثير من الناس الذين صدقوا أنهم حراس الفضيلة وحملة مشعل الوافدين وحدهم إلى الجنة. وهي حالة لا تختلف عن حالة من غُسل دماغه وصدق أن بندقيته أو سيفه أو سكينه مغفور لها قتلها للأبرياء الآمنين في قراهم وبيوتهم وتجمعاتهم.

لا فرق بين من ينيب نفسه عن الله ويحكم على شخص بالنار ومن ينحر رقبة رجل أو يرجم امرأة لأنه لا يراه أو لا يراها على (الحق) الذي تفرد فيه وأعطى نفسه صك غفران على أساسه؛ أو على أساس ما قرأه من شيخ يكفر هؤلاء ويزندق أولئك على هواه.

ولذلك نحن، تكراراً ومراراً، أمام ظاهرة إرهابية عامة طامة لا تنطبق أو تقتصر فقط على من يفرقون الموت برصاصهم وقنابلهم، بل تشمل إرهاب الحكم على الناس بالعذاب لأنهم لم يفوزوا بصكوك الغفران التي توزعها وكالات احتكار الدين والفضيلة.

وليس هناك من حل سوى أن نعترف بأننا في أزمة حقيقية نشأت من التراخي في التعامل مع مدارس التشدد وأفكار المتشددين، وأننا من هنا، من الاعتراف بذلك، سنغيّر البوصلة تغييراً حقيقياً وجاداً باتجاه هدم هذه المدارس وتجفيف هذه الأفكار التي وصلت إلى حد الجرأة على الله والحكم على خلقه نيابة عنه.