-A +A
محمد الساعد
الأكراد هم أقرب جيران العرب، على الأقل جغرافيا، فمدنهم وقراهم تتداخل بشكل كلي وجزئي مع المكونات العربية، من تكريت شمال العراق ودخولا إلى سورية حتى البحر الأبيض المتوسط، لكنهم كانوا وما زالوا الأكثر غموضا، خاصة لمن هم خارج دائرتي العراق والشام، فأغلب الأكراد لم ينزلوا من منازلهم، ولم يعملوا في المدن العربية خارج موطنهم الأصلي، وفي معظم العواصم والمدن الخليجية، ستجد أن جيران الخليجيين من أتراك وإيرانيين وهنود وأفغان، يشاركونهم حياتهم ويعملون معهم، إلا الأكراد الذين اكتفوا بالمشاهدة والمراقبة من أعالي جبالهم الشاهقة.

الأكراد انشغلوا في ما يبدو طوال آلاف السنين من عمر أمتهم، بتأسيس دولتهم التي لم يكتب لها أن ترى النور لحد اليوم، أو على الأقل الحفاظ على هويتهم بين ثلاثة أعراق قوية، هم الفرس والأتراك والعرب، ولذلك لم يكن لديهم الوقت للاندماج بشكل كلي مع العرب، صحيح أنهم يشكلون أكرادا عراقيين وإيرانيين وأتراكا وسوريين - حسب التوصيف القانوني لهذا العصر -، إلا أنهم لا يزالون يعيشون الحالة الكردية المستقلة المعتزة بنفسها، الأمر الذي حافظ كثيرا على هويتهم وكينونتهم من الذوبان.


تتوزع كردستان كما تؤكد كثير من المصادر التاريخية، بصورة رئيسية في ثلاث دول، هي العراق وإيران وتركيا مع قسم صغير في سورية، فيما يوجد عدد من الأكراد في بعض الدول التي نشأت على أنقاض الاتحاد السوفياتي السابق، وتشكل كردستان في مجموعها ما يقارب مساحة العراق الحديث، وتختلف التقديرات بشأن عدد الكرد بين 25 إلى 40 مليونا، موزعين بنسبة 46% في تركيا، و31% في إيران، و18% في العراق، و5% في أرمينيا وسورية.

الأكراد على مر التاريخ، كانوا هبة الله للعرب، فالناصر صلاح الدين الأيوبي، الكردي الأصل، المولود في تكريت بقرية دوين الواقعة شرقي كردستان، الذي يتغنى العرب بأمجاده، لم يكن إلا إحدى هبات الكرد لهم، إذ يعود له الفضل في توحيد الإمارات العربية، بعد أن مزقت إثر الاستعمار الصليبي، الذي دام قرابة 88 عاما، وأن يعيد للعرب المسلمين مدينة القدس مسرى نبيهم، من أيدي الصليبيين، وأسس بينهم دولة الأيوبيين، التي لا أعرف هل يطلق عليها دولة كردية حكمت العرب، أم دولة عربية حكمها الكرد.

اليوم يقوم الأكراد كما أجدادهم الأوائل، بدور عظيم في حماية العرب العراقيين والسوريين، من طغيان الخوارج الإرهابيين في شمال العراق وسورية، ويأخذون على عاتقهم قتال الدواعش وجبهة النصرة، وتحرير المدن والقرى، من إجرام العصابات المتطرفة، ويلاحقون كل شذاذ الأرض الذين انتقلوا لتلك البلدان واستباحوا الدين والدماء والأعراض.

وكأن صلاح الدين يعود في ثيابه الكردية الفريدة، مع كل جنود البشمركة، حاملا معهم سيفه ومجده، وعلو همته، ليعيد للعرب العراقيين والسوريين أمنهم وأمانهم كما فعل ذات يوم في بلاد الشام وفلسطين.

الأكراد لم يحظوا بدعم العرب في الأغلب، حتى مع الدول العربية المستقلة، التي تحررت من الاحتلال قبل قرابة المئة عام، وبقوا يجاملون الأعراق المجاورة لهم على حساب الحقوق الكردية، أعتقد أنهم من المهم إستراتيجيا اليوم، أن نضع بيننا وبين تلك القوميات، شعبا مخلصا وقويا مثل الشعب الكردي، لكي نبني «سدا» منيعا من التوازن الجيوسياسي، يستطيع أن يحمينا من طغيان وطموحات وأحلام المغامرين الجدد.