-A +A
بشرى فيصل السباعي
مما لا شك فيه أن العفو عن المسيئين ومسامحتهم بلا مطالبة بتعويض ولا لوم ولا عتاب ولا تقريع هو من المثاليات العليا ومن أخلاق العظماء الواجبة، لكن كما يقال للضرورة أحكام، وبعض تشوهات الثقافة العامة السائدة تجعل وللأسف من الضروري حاليا وللمصلحة العامة أن يرفع كل من يتعرض لإساءة عامة بالأصالة عن نفسه أو بالنيابة عن فئة ما ينتمي إليها قضية على من يتعرض لهم بالإساءة وفي قلبه يمكنه أن يضمر العفو والمسامحة له لكن في العلن يجب أن يتخذ الخطوات القضائية اللازمة لردع نمط الشخصنة واستساغة الاغتيال المعنوي للآخرين كوسيلة للنيل من آرائهم وفكرهم ولو كان مضمون هذا الاغتيال المعنوي مفبركا بالكامل وعبارة عن إسقاط باطل لكل أنواع ظلال الريبة والسوء على كل من لا يوافقه ليستحل بها حرماته حتى لدرجة استساغة وتشجيع اختراق أجهزته الشخصية وسرقة صور أهله وتهديده بنشرها، واستمراء مثل هذه السلوكيات المتعدية على حدود وحرمات الآخرين لن يتوقف إلا بوجود ردع قضائي مستمر يكرس بالثقافة السائدة أن هناك تبعات وعقوبات على الإساءة للآخرين والسعي لاغتيالهم معنويا، وأبرز روافد التشوه المؤسف بالثقافة السائدة هو؛ النمط الديماغوجي وهو استقطاب المؤيدين والأتباع وتحصيل الوجاهة الاجتماعية والمكاسب عبر التحريض العدواني على الآخرين بإسقاط كل أنواع التهم المسيئة عليهم واتهامهم بنظريات مؤامرة خيالية ودون أي دليل، وهذا نتج عنه ما يتجاوز الأضرار المعنوية، كما أن رفع القضايا على المسيئين سيرقي نوعية الخطاب المتداول ويجعله يركز على المضمون الجوهري وليس على معارك كل طرف في سعيه لإسقاط حجة خصمه باغتياله معنويا بالاتهامات والمزاعم المسيئة والمشوهة لسمعته مع العلم أن المجتمع يأخذ أفراد العائلة بالجريرة المزعومة لقريبهم الذي قام خصومه باغتياله معنويا وتشويه سمعته وإن كان بالأكاذيب والاتهامات التي لا دليل عليها، لكن من جهة أخرى ولكي لا يساء استغلال هذا الحق والواجب يجب التفريق بين محاولات التشويه بالبهتان والأباطيل والتهم المعلبة المتحزبة وبين شكوى المظلوم المشروعة لأنه يبدو أن الفارق ليس واضحا للكثيرين، فمن أبسط حقوق أي إنسان يتعرض لظلم من قبل طرف ظالم أن يجهر بمظلمته للعلن وليس من حق الظالم أن يصادر حقه هذا بحجة أن فيه تشويها لسمعته وبخاصة إن كان لدى المظلوم إثباتات وعجز عن أخذ حقه فيجب منع إساءة استغلال الأنظمة للتستر على المسيء الظالم وحمايته (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم).