-A +A
عبدالرحمن اللاحم
(التورّق) هي الطريقة التي أخذت بها البنوك التقليدية بمساندة واستشارة (غير مجانية) من بعض رجال الدين لأسلمة تعاملاتها، فبدل أن تأخذ قرضاً بفائدة يتم التحايل على ذلك بأن يبيعوك طن قطن في السنغال أو حديدا في المكسيك أو أطنانا من البن في البرازيل، ولا تشاهد لا قطناً ولا حديداً ولا بُنّاً، وإنما كل ما في الأمر؛ مجموعة من الأوراق والعديد من التواقيع تفوض فيها بشراً لا تعرفهم ولم ترهم، ليقبضوا أطنان الحديد والقطن والبن، وتزول مع تلك الإجراءات الشكلية شبهة الربا، مع أن مبدأ (التورّق) هو داخل في باب سد الذرائع التي يستخدمها هواة التحريم لخنق أنفاس الناس وتحريم ما أحل الله، فهو ذريعة إلى الربا - والعياذ بالله - لذا نجد ابن تيمية الذي يقدسون آراءه وفتاواه، كان متشدداً في تحريم التورق، وكان تلميذه ابن القيم يراجعه به في مرض موته وظل متمسكاً برأيه في التحريم حتى موته رحمه الله، ومع ذلك تجاوز (مفتو البنوك) فتوى ابن تيمية، لأن رأيه هذه المرة لا يمس (عباءة) سيدة ولا علاقة له بالموسيقى أو الطرب أو أي شيء له علاقة بخنق البهجة والسعادة، وإنما هو رأي قد يضيع عليهم حظهم من الدنيا.

وعلى صعيد آخر نجد بعض المفتين للبنوك ينزل عليهم الورع على حين غِرَّة في مسألة (الغناء) و(السينما) ويتشددون في تحريمها ويتجاهلون الآراء المجيزة لها، والتي لا تقل وزناً عن الآراء التي أجازت (التورّق) فيحاربون بشراسة أي توجه لإقامة حفلات غنائية أو السماح بقاعة سينما تعرض أفلاما تبثها القناة الأولى التي يخرجون من شاشتها ليفتوا للناس، بل يتجاوزون ذلك للادعاء بأن الشعب (والمكون من 25 مليون نسمة) لا يريدها، مع أن الشيء المنطقي أن من لا يريدها ليس ملزما بحضورها تماماً كما أن من يرى حرمة (التورّق) وأنه ذريعة للربا والتفاف عليه، ليس ملزما بالتعامل به وإلاّ باستطاعتنا القول إن الشعب السعودي المتدين لا يريد التورّق لأنه ربا والربا حرب على الله ورسوله.


الخطورة تكمن عندما يرضخ بعض رجال الدين للحملات الشعبوية ويتماشى معها على حساب القواعد الشرعية عندها يصبح الدين سلعة في بازار السياسة.