الراحل الأشقر مع صديقه الشاعر محمد الدميني في رحلة إلى لبنان. (عكاظ)
الراحل الأشقر مع صديقه الشاعر محمد الدميني في رحلة إلى لبنان. (عكاظ)
أبناء وأقارب الأشقر يحملون جثمانه على الأكتاف في العاصمة الرياض أمس. (تصوير: ماجد الدوسري)
أبناء وأقارب الأشقر يحملون جثمانه على الأكتاف في العاصمة الرياض أمس. (تصوير: ماجد الدوسري)
-A +A
متعب العواد (الرياض)
«القبور تكاثرت وملأت الأرض، كلها متشابهة ومتجاورة، كأنها تلال صغيرة وسط صحراء قاسية ومهجورة وقاحلة.. قلت لنفسي الذليلة يوما ما قريبا ستدخل يا صاحبي إلى هذه الأرض وسوف تنهش بشغف طائل جسدك الديدان.. وتختفي بين هذه التلال الصغيرة وتنسى، وربما لن تسعد بزيارة من أحد.. لا الأهل ولا الأصدقاء».

هكذا كتب الأديب والكاتب والفنان التشكيلي المبدع صالح الأشقر في قصة «مرايا» موهبة شاملة نادرة، بكلماته البسيطة وتلقائيته الشديدة احتل قلوب وعقول المثقفين والصحافيين، والمجتمع القريب منه، والذن تقاطروا للصلاة عليه محبوه في العاصمة الرياض أمس، وتوديعه إلى الأبد.


تميز صالح، بالقدرة الفائقة في استخدام اللغة العربية بوجدان سعودي، بحيث يشعر القارئ السعودي أن الكاتب يخاطبه بلهجته الحيّة، الأمر الذي كان بمثابة درجة عالية من التواصل بين الكاتب والقارئ، وهو التواصل الذي يحقق التفاعل بين المبدع والمتلقي.

أمهل القدر الأديب صالح، الذي قدّم لمجتمع الأدب السعودي مجموعتين قصصيتين هما ضجيج الأبواب 1989، وظل البيت 2008، وكانت رواية قصة الطفل التي كتب من خلالها أنه رأى البحر في لحظة واحدة انفتح فمه واتسعت عيناه بشدة. فالذي يراه الآن لم يره في حياته أبداً، شيء مخيف وفاتن، ساكن وصاخب، قريب وبعيد، سافر وغامض، لامع ومعتم.

وبحسب دراسة القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية خلال القرن العشرين للدكتور حسن الحازمي أستاذ النقد الأدبي الحديث فإن الأديب صالح الأشقر ظهر في مرحلة الثمانينات مع الكثير من الأسماء الجديدة الذين نشروا نتاجهم بداية في الصحف والمجلات، ثم جمعوها في مجموعات قصصية صدرت خلال الثمانينات، إذ تسيد صالح ورفاقه محمد الشقحاء، حسن النعمي، عبده خال، خالد اليوسف، خالد باطرفي، رقية الشبيب، سعد الدوسري، جبير الملحيان، أحمد الدويحي، فهد العتيق، عبدالله العتيق، عبدالعزيز الصقعبي، شريفة الشملان، ومريم الغامدي صحافة الثمانينات لغزارة الإنتاج، إذ صبت ثلاثة أجيال إنتاجها خلال هذه الفترة فكانت فترة نصوص ودراسات وحوارات إضافة إلى أن المجموعات القصصية التي صدرت خلال هذه الفترة أضعاف ما أنتج خلال المراحل السابقة كلها.

وفي القراءة النقدية للدكتور والأديب أحمد سماحة لرواية ظل البيت ممهورة بتوقيع صالح الأشقر بعد متغيرات كثيرة طالت الزمان والمكان والبشر وحتى التجربة السردية التي كان صالح أحد فرسانها في الثمانينات إذ تفجرت لغة المعيش اليومي وتدثرت الرومانسية والشعرية والغنائية بدثار المفارقة والقلق لتقتسم وظيفة مغايرة.

وصالح المصنف أحد رواد كتاب القصة بالمملكة، ولد عام 1951 في مدينة حائل وغادرها شاباً نحو الرياض لإكمال تعليمه وقد تخرج في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية جامعة الملك سعود، وعمل في الصحافة المحلية منذ الثمانينات، أصدر مجموعتين قصصيتين هما ضجيج الأبواب 1989، وظل البيت 2008.

واليوم يغادر الدنيا بعدما كتب في زيارة لقبر والده في مجموعة «مرايا»: «دخلت مقبرة (العود) الشهيرة.. أبحث عن قبر والدي.. فقد اشتقت إليه.. أزوره كلما اشتد الظلام.. هو الوحيد الذي يتفرس في وجهي ويقرأ من نظرة واحدة الكلام المستور.. كنت أريد أن أقول له كم أنا حزين جدا وكئيب ومحبط ويائس.. وإن الحياة والعالم هراء».