-A +A
محمد القنيبط
(هام وعاجل)

سعادة الدكتور محمد بن حمد القنيبط سلمه الله


قسم الاقتصاد الزراعي – جامعة الملك سعود

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أود إحاطة سعادتكم أنَّ الوزارة في صدد إعداد استراتيجية وطنية للمياه بالتعاون مع الاستشاري شركة بوز آلن هاملتون، وستتضمن تقييما شاملا للوضع الراهن لقطاع المياه يشمل النواحي المؤسسية والتشريعية وآليات التطبيق والبرامج والتحديات، وعمل دراسة مُقارَنة بالتجارب الدولية ومن ثَمَّ إعداد المقترحات التي ستتضمنها عناصر الاستراتيجية وفق منهجية تشاركية تشمل كافة الجهات والأطراف ذات العلاقة، وقد وافق معالي الوزير - حفظه الله - على مشاركتكم في اللجنة الاستشارية للاستراتيجية.

آمل اطلاع سعادتكم، وحضور ورشة العمل التي تعتزم الوزارة عقدها في تمام الساعة السادسة وحتى الساعة السابعة من مساء يوم الأحد 17 / 4 / 1438هـ، في فندق (كمبنسكي) الرياض، وتزويد الوزارة بوسائل التواصل معكم، ويمكن التنسيق في ذلك مع المهندس....، ورقم هاتفه....

مع أطيب تحياتي،،

وكيل الوزارة لشؤون المياه

......

حُرِّر في 10/4/1438هـ

ما تَقَدَّم كان نَصَّاً حَرفيّاً لخطابٍ رسميٍ وَصَلَ قسم الاقتصاد الزراعي بجامعة الملك سعود صباح الأحد 17/4/ 1438هـ، عَبر البريد الرسمي (مؤسسة البريد)، وليس مناولةً؛ وذلك بعد أنْ ذَهَبَ إلى كلية العلوم بسبب خطأ في رقم صندوق البريد.

التّكرار يُعلِّم الشُّــطار

قبل 21 سنة كتبت مقالاً بمجلة اليمامة (http://www.qunaibet.com/files/210.pdf) بعنوان «قهوة... عصير... يا دكتور»، وذلك تعليقاً على تكليف وزارة المالية آنذاك للبنك الدولي بعمل دراسة عن الاقتصاد السعودي، حيث اتصل بي صديقي بكلية الهندسة بجامعة الملك سعود الدكتور إبراهيم القاضي، يدعوني للقاء فريق البنك الدولي للحديث معهم عن قطاع المياه. وكان اللقاء في فندق الإنتركونتيننتال بالرياض. حيث اتضح أنَّ الدكتور المُكَلَّف بجزئية قطاع المياه في تلك الدراسة يجهل تماماً قطاع المياه في المملكة، حيث كان كالطالب وأنا الأستاذ. وتَكَرَّرَ الموقف نفسه مع زميلي الدكتور عبدرب الرسول العمران، عالِم التربة والملوحة والعلاقات المائية في جامعة الملك سعود، حين التقى بعضو فريق البنك الدولي المُكَلَّف بجزئية قطاع الزراعة في تلك الدراسة، الذي كان زميله بكلية الزراعة في جامعة كاليفورنيا – ديفز، حيث قال له حرفياً: «لا أعلم أي شيء عن الزراعة السعودية». وبالتالي، فقد كان أعضاء الفريق البحثي للبنك الدولي يستقون المعلومات الأساسية لدراستهم عن الاقتصاد السعودي من أفواه الأكاديميين والمختصين السعوديين، ثم قاموا بصياغتها على أوراق البنك الدولي، وقدَّموها لوزارة المالية على أنها من بنات أفكارهم، وذلك بعد أن تَفَضَّلوا بفنجان كابتشينو أو كأس عصير مع جاتوه بفندق خمسة نجوم، مكافأةً سخيَّة لهؤلاء السعوديين.

وها أنا اليوم، مدعو للمشاركة في حفلة استشاري كابتشينو جديدة سموها «ورشة عمل» لشركة استشارية تجهل أبجديات المياه في السعودية، وتريد تجميع أهم عناصر وأجزاء وجزيئات دراستها من أفواه الأكاديميين والمختصين السعوديين الذين أفنوا حياتهم يعملون ويبحثون في قطاع المياه، ومُقابِل ماذا !؟ مُقابِل فنجان كابتشينو أو كأس عصير مع قطعة جاتوه في فندق خمسة نجوم، في حين تتقاضى شركة بوز آلن هاملتون الاستشارية عشرات (إنْ لم يَكُن مئات) الملايين من الريالات لهذه الدراسة، والتي هي بعيدة كل البعد عن نشاط هذه الشركة وخبراتها السابقة في المملكة، حيث قَدَّمَت قبل سنوات عديدة دراسات استشارية لشركة الاتصالات السعودية ومجلس الشورى وجهات أخرى، حكومية وخاصة.

كابتشينو وجزاك الله خيرا

بالعودة إلى خطاب وزارة البيئة والمياه والزراعة الذي بدأنا به هذا المقال، يمكن الخروج بعدَّةِ وَقَفَات عَليه وعَنه:

الوقفة الأولى:

أشكر معالي وزير البيئة والمياه والزراعة المهندس عبدالرحمن الفضلي على موافقته لمشاركتي في اللجنة الاستشارية للاسـتراتيجية الوطنية للمياه دون سؤالي وأخذ موافقتي، وباسـتراتيجية الدَّفع من صَرَّاف «جزاك الله خيرا» مع فنجان كابتشينو.

الوقفة الثانية:

في صيف 2012م، سَلَّمَ البنك الدولي وزارة المياه والكهرباء الاستراتيجية المائية للمملكة، حيث كانت تكلفتها 250 ألف دولار، فما هي يا تُرى القيمة التي ستقبضها شركة بوز آلن هاملتون لعمل الاستراتيجية الوطنية للمياه موديل 2017م !؟ وماذا عَمِلَت وزارة البيئة والمياه والزراعة باستراتيجية المياه التي أنهاها البنك الدولي قبل أربع سنوات !؟

الوقفة الثالثة:

قبل عِدَّة سنوات اعتمد مجلس الشورى الاستراتيجية الزراعية التي أعدتها منظمة الأغذية والزراعة (الفاو FAO)، بناءً على تكليف من وزارة الزراعة آنذاك، ووافق عليها مجلس الوزراء (ولكن ربطها بانتهاء الاستراتيجية المائية). فيا تُرى، مـاذا عَمِلَت وزارة البيئة والمياه والزراعة بهذه الاستراتيجية !؟ وهل ستقوم شركة بوز آلن هاملتون بعمل استراتيجية زراعية موديل 2017 !؟ وكم ستكون تكلفتها !؟

الوقفة الرابعة:

أنفَقَت وزارة المياه والكهرباء أكثر من 880 مليون ريال على شركات استشارية لتقدير الاحتياطيات المائية، فماذا تمَّ بشأنها !؟ وهل سيتم تكليف شركة بوز آلن هاملتون بتكرار تلك الدراسات أو أجزاء منها !؟

الوقفة الخامسة:

يقول أحد الاقتصاديين السعوديين الذي عَملَ عِدَّة سنوات في صندوق النقد الدولي، أنَّه بعد مباشرته العمل بالصندوق تلقى دورات قصيرة Crash Courses عن كيفية إعداد التقارير والدراسات الاقتصادية للدول التي تستعين بالصندوق. وكانت خلاصة هذه الدورات المُكَثَّفة هي: «يجب على خبراء الصندوق المناط بهم عَمَل دراسة لدولة ما أو لجهازٍ حكومي فيها، أن يقوموا بإجراء لقاءات وحوارات مُكَثَّفة مع بيروقراطيي الدائرة المحيطة برئيس الجهاز (الوزير) والإدارات ذات العلاقة بموضوع الدراسة، وذلك لمعرفة وجهات نظرهم في أداء هذا الجهاز الحكومي وعمله، والتعرف منهم على المشاكل التي يواجهونها والحلول التي يقترحونها»، ولكن لا يستطيعون نقلها لرئيس الجهاز (الوزير) خوفاً من تداعياتها عليهم. وبعد ذلك يقوم خبير الصندوق بصياغة هذه المشاكل والحلول المقترحة التي «عصروها» من موظفي ذلك الجهاز، وعمل «المكياج» والتعديلات اللازمة من واقع خِبرَة صندوق النقد الدولي في عَمَل دراسات عن الدول، ومن ثَمَّ تقديمها كدراسة متكاملة لمعالي الوزير (رئيس الجهاز)، الذي لا محالة سَـيُعجَب بها، كونها بالفعل تعكس مشاكل يعرف بعضها، ولكنها أتت من هذه المؤسسة الدولية. وهذا ما يُعرَف في مكاتب الدراسات الاستشارية بطريقة SWOT Analysis أو «تحليل سوات» (Strengths, Weaknesses, Opportunities, and Threats). هذه الطريقة SWOT الشهيرة تقوم على «عَصر» المخضرمين العاملين في هذا الجهاز أو المختصين بالموضوع خارج الجهاز، وذلك بهدف معرفة مكامن القوة Strengths والضَّعف Weaknesses والفُرَص Opportunities والتهديدات Threats المتعلِّقَة بهذا الجهاز أو الموضوع.

وهذا هو الذي قامت وتقوم به شركات الاستشارات الدولية في «دراسات الاسـتراتيجيات أو خطط عمل الأجهزة الحكومية» التي أغرقت المملكة خلال السنتين الماضيتين بتكاليف تجاوزت آلاف الملايين من الريالات. طريقة سوات SWOT هذه، تقوم أساساً على مقابلة كبار ومتوسطي الإداريين والمختصين داخل الوزارة (أو الشركة أو خارجها) التي يُعمَل لها الاستراتيجية، إما على انفراد أو عبر استبانات أو وِرَش عَمَل، كما هو الحال في خطاب وزارة البيئة والمياه والزراعة في بداية المقال. وبالطبع، لن ينسوا تقديم قهوة الكابتشينو وقطع الجاتوه ومياه بيريه الفرنسية للمشاركين في هذه الوِرَش. باختصارٍ شديد، وفي حالة دراسات عمل «استراتيجيات» لأجهزة حكومية، فإنَّ جُلَّ ما تقوم به الشركات الاسـتشـارية الدولية هو إعادة بيع أفكار ورؤى «المواطنين» القائمين على إدارة هذا الجهاز في الدوائر التي تَلي الوزير أو رئيس الجهاز، ولكن بمكياج مُلَوَّن جميل، وبالطبع باللغة الإنجليزية.

الوقفة السادسة:

ختاماً، وبناءً على الوقفة الخامسة، فإنّي أتحدى خبراء البنك الدولي ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO) وشركة بوز آلن هاملتون وماكنزي وأبناء عمومتهم وأنسابهم وأرحامهم، بأنهم لا يعلمون حتى رُبع عُشر ما يَعلَمُه أكاديميو ومُختَصّو وإداريو الزراعة والمياه السـعوديون عن المياه والزراعة في المملكة العربية السعودية.