-A +A
خالد عباس طاشكندي
قبل فترة وجيزة شاهدت على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» صورة متداولة تظهر فيها لوحة توعوية تابعة لوزارة الزراعة، منصوبة في قلب منطقة صحراوية قاحلة، جرداء خالية تماماً من أي أثر للحياة، مكتوب عليها «الأشجار ملك لك ولغيرك فحافظ عليها»، فكانت مجمل تعليقات المغردين ساخرة باعتبار أن ما كُتِب على اللوحة لا يتسق مع المكان، فيما توقع البعض الآخر أنها صورة مفبركة، إلا أن أياً من هؤلاء لم يدرك الحقيقة المرة، وهي أن تلك المنطقة كانت على الأرجح مليئة بأشجار السمر والطلح والأرطى والغضى والسدر وغيرها من الأشجار التي تنبت في الأراضي الرملية والنفود وفي بطون الأودية والمناطق الجبلية، ولكنها تصحرت مع الوقت نتيجة لظاهرة «الاحتطاب الجائر» وتدمير بعض الجهلة والمجرمين للغطاء النباتي في المملكة دون أن تجدي معهم أي من التدابير والعقوبات والقرارات والإجراءات التي اتخذت للحفاظ على البيئة والحد من التبعات الكارثية لهذه الظاهرة.

وحول آخر المستجدات في هذه القضية، أكد مدير الإدارة العامة لشؤون الزراعة بالمنطقة الشرقية المهندس طارق الملحم في حوار أجرته معه «عكاظ» الأحد الماضي (بتاريخ 15 يناير 2017)، على تنامي ظاهرة «الاحتطاب الجائر» التي لم تعد تقتصر على الأشجار الميتة واليابسة، فالأمر ازداد سوءا في الآونة الأخيرة بعد أن وصل البعض إلى قطع الأشجار الخضراء ومن ثم تجفيفها وبيعها في الشوارع بالرغم من العقوبات التي تصل غرامتها في حدها الأعلى إلى 50 ألف ريال، بل وأضاف أن الاحتطاب الجائر أصبح مهنة تمارس يومياً وفي كل فصول السنة.


وفي الواقع، على مدى السنوات العشر الماضية وأنا أتابع في الصحف المحلية «ولولة» المسؤولين في وزارة الزراعة والباحثين والمهتمين بالشأن البيئي وشكواهم الدائمة وتحذيرهم من خطر تنامي ظاهرة الاحتطاب الجائر وأيضاً أضف معها الرعي الجائر، وتسببها في الإخلال بالتوازن البيئي والقضاء على المناطق الخضراء، وزيادة وتيرة التصحر، وما ينجم عنها من تبعات أخرى أشد خطورة، حيث إن الكثير من الحيوانات البرية فقدت غذاءها وبالتالي باتت تتجه نحو المدن والمناطق السكانية بحثاً عن الغذاء، ومن بينها قرود البابون التي شكلت في السنوات الأخيرة أزمة متفاقمة وأصبحت تستأنس البشر وتهجم على المزارع والقرى وتدخل نطاقات المدن مما يزيد من مخاطر نقل الأمراض والأوبئة والفيروسات الكامنة، بالإضافة إلى تزايد انتشار الكلاب الضالة واعتدائها على البشر، حيث استقبلت أقسام الطوارئ في مستشفيات وزارة الصحة بمناطق المملكة، خلال العامين الماضيين، أكثر من 25 ألف حالة تعرضت لعضات الكلاب، وهذه الكلاب بعضها عرضة لحمل فيروسات فتاكة مثل الـ «إيبولا»، وذلك بحسب العديد من الدراسات.

وبالرغم أن ممارسة الاحتطاب تعد مخالفة قانونية منذ 13 عاماً، وفقاً لنظام المراعي والغابات الصادر بقرار رقم 247 وتاريخ 4/‏9/‏1425هـ، وصدق بالمرسوم الملكي الكريم رقم م/‏55 وتاريخ 29/‏10/‏1425هـ، كما تم إيقاف إصدار تراخيص الاحتطاب والتفحيم ونقلهما منذ عام 1429هـ، وكذلك منع تصدير الحطب والفحم من داخل المملكة إلى خارجها منعا باتا، والاعتماد على استيراد الحطب من الخارج، إلا أن لا شيء يتغير في قضية «الاحتطاب الجائر» سوى بالسلب ونحو الأسوأ.

الواضح لي وللكثيرين، أن هؤلاء الحطابين المخالفين غير مكترثين، ولم تردعهم الأنظمة والقوانين ولا العقوبات، بل يضربون بها عرض الحائط، ولسان حالهم يقول «ما عندك أحد»، فممارسة الاحتطاب الجائر وبيع الحطب في الشوارع العامة والأسواق «على عينك يا تاجر»، ومن لا يصدق هذا الكلام عليه أن يذهب لأماكن بيعها ويشاهد بعينه، أو يختصر الوقت ويدخل موقع اليوتيوب لمشاهدة مئات المقاطع لهذه الممارسات المؤسفة والتي تعدت مسألة قطع الجذوع اليابسة من الأشجار بل إنهم يتسابقون ويتبارون على ربط الأشجار بالحبال والسلاسل وجرها بمركبات الدفع الرباعي لاقتلاعها من جذورها.

والسبب الرئيسي في تنامي هذه الظاهرة لا يحتاج إلى تأويل بل هو ثالثة الأثافي، فالمؤكد أن الرقابة غائبة والعقوبات التي نسمع عنها لا تعدو كونها مجرد حبر على ورق، وكلما استمر هذا الوضع فلن نتوقع سوى أن «المصيبة تجر أخرى».