-A +A
محمد أحمد الحساني
يقوم منظو الاحتفالات والمناسبات العامة والمجالس الاجتماعية بترتيب جلوس المدعوين حسب سنهم وقاماتهم الوظيفية أو العلمية فتكون الصفوف الأولى لأبرز المدعوين ثم تتدرج المواقع بعد ذلك لتكون لمن بعدهم في المكانة، حتى تصبح في النهاية متاحة لجمهور الحاضرين، ولا ضَيْر من مثل هذا التنظيم إذا كان هدفه تطبيق قاعدة «أنزلوا الناس منازلهم» ولا يحط من قدر إنسان واثق من نفسه إن كان مكان جلوسه في الأمام أم في الخلف بل إن بعض الأسماء الكبيرة يكون صدر المجلس هو المكان الذي تجلس فيه حتى لو كان موقع جلوسها في صف خلفي لأن الأنظار تتجه إليها، والحاضرون يسعون للسلام عليها، مثل العلماء والاعلام وشخصيات المجتمع، وربما هُرع المنظمون إليهم داعين إياهم الى التقدم نحو الصف الأمامي لأنهم يستحقونه فلا يستجيبون لدعوتهم ويعتذرون بأنهم قد اختاروا مكان جلوسهم لحاجة في نفوسهم، فلا يملك المنظمون سوى احترام رأيهم ومكانتهم العلمية أو الأدبية أو الاجتماعية.

وقد شاهدت شخصياً بعض أصحاب الأسماء الكبيرة في مجالات العلم والأدب والمجتمع يسجلون مثل هذه المواقف فقلت في نفسي لعل في تصرفهم حكمة وبعد نظر لا يدركها خفاف العقول والأوزان! وفي المقابل رأيت من الدهماء من يحرص على الجلوس في الصفوف الأولى فإذا لاحظ ذلك المنظمون هُرعوا إليهم وطلبوا منهم التوجه نحو الصفوف الخلفية قام الواحد منهم مطأطئ الرأس، وقد أحزنني ذات يوم رؤية مثل هذه الصورة فقال لي رجل مسن كان يجلس بجواري في الصف الخامس: لا تحزن عليه.. يستاهل. وذكرني بالمثل المكي القائل «لا تجلس في مكان تُجرّ منه ولكن أجلس في مكان تقر فيه» فلما جادلته في أن بعض أصحاب المكانة يفضلون الصفوف الخلفية وهم أحق بالصفوف الأمامية التي قد يحتلها بعض الأغرار أجابني قائلاً: ألم تر كيف هُرع المنظمون إلى أصحاب الأسماء الكبيرة يحاولون معهم أن يقوموا للجلوس في المقدمة فمنهم من استجاب ومنهم من اعتذر فكان للطرفين الكرامة والتكريم وهل يتساوى ذلك مع قيام المنظمين بجر «متصدر لا تكلمني» من يديه أو رجليه إلى الصفوف الخلفية؟ فاستدركت عليه بقولي: ولكن بعض الدهماء المتصدرين يفعلون ذلك فإن أُقروا في مكانهم احتلوا الصفوف الأولى حتى نهاية المناسبة وإن طردوا منها فإن جِلدة وجوه بعضهم «مثل جلدة كفر الشاحنة!» لا تُحمرّ ولا تُصفر.. فكان جوابه شعراً:


من يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرحٍ بميت إيلام