-A +A
حسين شبكشي

@husseinshoboksh



حماية المستهلك غاية مهمة وهدف نبيل، وهو نهج تأسس في الدول الصناعية بشكل قانوني ومؤسساتي من أجل مراقبة جودة السلع والخدمات المقدمة والمباعة للعامة والعمل على منع الغش والاستغلال بشتى أنواعه سواء أكان بالتسعير المجحف أو المواصفات المتدنية أو الغش الصريح بالتقليد والتزييف. وقد كانت لهذه المؤسسات وهي عادة ما تكون في الدول الصناعية من شقين حكومي وأهلي بحيث تكون الرقابة مزدوجة وذات فعالية أكثر تأثيرا. وأهم ما في حماية المستهلك أن تكون أهدافها عامة وشاملة لا انتقائية وشعبوية وعلى فئات غير أخرى. وفي السعودية كانت فترة تجربة وزير التجارة والصناعة السابق توفيق الربيعة فترة عرفت بأنها فترة حماية المستهلك وحقق وقتها العديد من الإنجازات اللافتة والمهمة والجديدة، كان نصيب الأسد منها موجها نحو قطاع وكلاء السيارات وتمت إعادة العلاقة وبناء جسور الثقة بشكل أكثر تنظيما بين الوكيل والمستهلك وإن كانت قرارات الوزارة لم تكن تخلو من الجدل والإثارة لأن التشهير بالمخالفة لم يكن يخضع لإجراءات قانونية كاملة يتم الاستماع فيها إلى كافة أطراف القضية إلا أن الفوائد المجنية كانت لافتة ومهمة. وكذلك الأمر كانت الحملة فعالة بالنسبة للشيكات الصادرة بلا رصيد. إلا أن الحملة كانت «انتقائية» كما يبدو واضحا، فالفخر والاعتزاز والإحساس بالإنجاز كان دوما كبيرا في «سرد» تفاصيل العقوبات والغرامات والإيقاف بحق التجار والصناع ولكنها أغفلت التركيز على عدد السجلات التجارية التي تم إصدارها والتسهيلات التي قدمت وعدد التجار الذين «استمروا» في الاستثمار الوطني ولم يغادروا بأموالهم خارج البلاد بسبب المضايقات فهذه أيضا نوع مهم جدا من حماية المستهلك بالإبقاء عليه على الاختيارات المتاحة وعدم «تطفيش» البعض منهم لمصلحة الآخرين سواء أكان ذلك عمدا أو صدفة. ولكن الغريب والعجيب أن هذه الحملات المهمة لم تطل بنفس الحماس شركات الكهرباء أو الاتصالات السعودية أو الخطوط السعودية أو شركة المياه الوطنية وهي جميعها قواعد مهمة جدا لخدمة الملايين من العملاء وهم كلهم بحاجة لحماية (وأي حماية) نظير ما يتم دفعه من أموال مقابل خدمات وسلع هي في الكثير من الأحيان مصدر شكوى واحتجاج، سؤال كهذا يضعف «سوية» حملة حماية المستهلك ويظهرها وكأن الغاية منها «شيطنة» رجال الأعمال وتحويلهم إلى «كيس ملاكمة» جاهز لتفريغ الغضب ضده وتحميلهم «كشماعة» ملائمة لكل المصائب في العالم من جشع واستغلال وغش وكذب ونفاق وبالتالي توجه لهم وبسهولة شديدة من العامة كل التهم المعبأة والجاهزة من تخوين وتشكيك بالوطنية والانتماء والولاء وأقلها الغش والخداع والتدليس وطبعا يتم تطعيم ذلك بالآراء والفتاوى الدينية حتى يكاد يخرجونهم من الملة والدين تقريبا. حماية المستهلك غاية نبيلة وهدف عظيم بل هي من أساسيات المجتمعات المدنية السوية ولكن المشكلة تكمن في حماية طرف والاستقواء على طرف آخر وبذلك تفقد الأهداف النبيلة والنوايا الحسنة قيمتها ويبدأ التشكيك في النهج المطبق.


شركات الكهرباء والسعودية للاتصالات والخطوط السعودية والمياه الوطنية لديهم مشكلات عويصة جدا في علاقتها مع المستهلك، فهناك انطباع عريض لدى شريحة غير بسيطة من المتعاملين معهم أن هذه الشركات لا تقدم الخدمة الجيدة بالقدر الكافي مقابل ما يتم سداده من رسوم خدمات وتكاليف مختلفة ولكن لأن حماية المستهلك لم تتعامل مع هذه الكيانات بنفس جدية تعاملها مع القطاع الخاص باتت هذه الشركات والكيانات تتمادى في توسيع الفجوة بينها وبين المستهلك بعدم الاكتراث بالشكاوى وتماد مذهل في رفع الأسعار بلا هوادة (وهي مسألة لم يكن يسمح بها للقطاع الخاص دون أن تطاله تهم الاستغلال والجشع وسوء النوايا!). هذه الشركات بالإضافة إلى كونها بلا عين ولا رقيب يرى علاقتها المتردية مع المستهلك هي أيضا بحاجة ماسة للغاية لإعادة هيكلة وتطوير وفهم تام للوضع الاقتصادي الجديد في البلاد وذلك بالخلاص من التكدس الوظيفي الموجود بها والذي يتسبب في رفع تكاليف الإنتاج وهي مسألة بالتالي يتحملها في النهاية المستهلك نفسه دون ذنب اقترفه ولكنه بسبب تقاعس هذه الشركات عن القيام بما هو مطلوب من الخلاص من الترهل المكلف عندها. حماية المستهلك غاية نبيلة وهدف عظيم فيه من الأخلاق والقيم الشيء الكثير، فهي بمثابة العين الساهرة والضمير اليقظ الذي يمنع الاستغلال ويحمي من الغش والخداع ولكن لكي يتحقق ذلك الأمر لا بد أن تكون على الكل وبنفس الدرجة وبذات الحماس وإلا تخللت هذه الحملة العديد من الشكوك والظنون التي تضر ولا تفيد ولا تنفع. القطاع الخاص ليس عدوا حتى يتم «استهدافه وحده» بهذه الحماسة والتهليل حتى يتم «تطفيشه» هو المواطن المنتج والمستثمر والمغامر والمؤسس الذي خاض العديد من الفرص وحيدا ضد التحديات والصعوبات ولعل أهم ما يجب أن تتطلع إليه المؤسسات الرسمية هي قدرتها على حماية رأس المال الوطني والمحافظة عليه ومعاملته بعدالة وسوية متى ما تحققت تلك المعادلة الحساسة سيكون من السهل جدا والطبيعي جدا جذب رؤوس الأموال الدولية لأن البداية دوما تبدأ من رأس المال الوطني الخاص الذي يشعر بالأمان والعدالة.