-A +A
عزيزة المانع
لمياء المقدم كاتبة تونسية، لم أتعرف على كتاباتها سوى أخيرا، كاتبة لها أسلوب جميل ولغة جيدة، ومعظم ما تكتبه يخاطب الإنسان والحياة.

قرأت لها مقالا أعجبني تتحدث فيه عن أثر الموسيقى في تعزيز العلاقات الإنسانية، فالموسيقى متى جُعلت عنصرا أساسيا في التخاطب داخل الأسرة أو بين الأصدقاء أو المحبين، كان لها تأثير بارز على دعم العلاقة بينهم، فحسب ما يقوله الباحثون في علم النفس، للموسيقى أثر ملموس في تهدئة الألم والغضب والاكتئاب والحزن، فهي تبعث داخل النفس إحساسا بالراحة والصفاء.


وفي الحقيقة ليس الباحثون في علم النفس من المعاصرين وحدهم الذين يقولون ذلك، فقد قال به علماء المسلمين منذ قرون طويلة، فالفارابي مثلا في القرن الرابع الهجري، تحدث في كتابه (كتاب الموسيقى الكبير) عن تأثير الأنغام على النفس، فهو يرى أن منها ما يزيل الانفعالات أو يخفف من حدتها، وأنها بذلك تكسب النفس راحة ولذة.

ويكفي أن نتذكر كيف أن الأمهات منذ أن عرفت المرأة الإنجاب، متى أردن جلب النوم لأطفالهن الرضع، أخذن يترنمن بأنغام هادئة يرتاح لها الصغير فيستسلم ويغمض عينيه نائما.

الموسيقى المعنية هنا، ليست تلك الصاخبة التي تدفع إلى الاهتزاز والتمايل والطرب، الطرب حال أخرى غير هدوء النفس. الموسيقى التي تهدئ النفس هي تلك التي تتسلل إلى الأذن بهدوء، بلا صخب ولا ضجيج، فتنساب ذبذباتها داخل النفس رقيقة كمناغاة طفل، ويسري وقع أنغامها ناعما لطيفا كمجرى ماء عذب، تطوق القلب بحنانها، فتنتعش النفس ويتبدد ما فيها من طاقة سلبية.

أعجبني ما قالته لمياء المقدم: «أحيانا أذكّر الرجل الذي أحب أنه لم يرسل لي أغنية منذ زمن طويل، وعندما يخطئ ويقول: ماذا تحبين أن تسمعي؟ أرد: الذي أحب أن أسمعه، أعرفه، وأعرف أين أجده، أحب أن أسمع ما تحب أنت. ذلك أن أغنية واحدة كافية لتخبر بما يشعر به الآخر، كيف يفكر في تلك اللحظة، وكيف يتحسس يومه أو يتعثر فيه، وهي أيضا وبالتأكيد، كافية لتقول: أحبك، أشتاق إليك، أفتقدك، كم أنت بعيد، اقترب، لا تذهب، لا تكتئب، إلخ المعاني».

عندما تتعطل لغة الكلام، يمكن للموسيقى أن تقوم مقامها، وربما أوصلت المعاني بأبلغ مما تفعله لغة الكلام.