-A +A
محمد الساعد
أجزم أنه لم يكن يدور بخلد الفنان «عادل إمام» أن نكتته الرائعة «شاي بالياسمين» في فيلمه الشهير مرجان أحمد مرجان، ستتحول لتكون جزءا من المصطلحات الاجتماعية التي سيستخدمها بعض السعوديين بكثافة، للتعبير عن رفض التغيير والتجربة.

وتمثل ذلك بوضوح في إطلاق عبارة «شاي بالياسمين»، على كل من يصدر موقفا متفائلا ومؤيدا للخطوات التي تقوم بها الدولة، سواء كانت برامج اقتصادية أم سياسية أو حتى أمنية.


وللحقيقة فهي عبارة لطيفة، إلا أن توظيفها لاتهام الناس بتقاضي الأموال مقابل إصدار المواقف، هو الخطير في الموضوع وهو يقدم موقفا مسبقا يستبق النقاش والاقتناع، بل ويدفن أي مشروع حتى قبل أن يموت.

فما هي قصة «الشاي بالياسمين» محليا، وكيف تحولت لتكون لغة تفصل بين من يتبنون التفاؤل، ويرون حتمية التغير، ومن يتبنون الآراء السوداوية ويشيعون الإحباط، ويستمتعون بتكبيل الناس، لمجرد العناد أو الكراهية.

لعل الكثير ينسى أن الذاكرة الجمعية ضعيفة جدا، إذ إن هذه التهمة ليست جديدة، فهي ضمن «البروتكولات» الأساسية للحركيين والإخوان وطبقة السرورية، التي تنشط بفعالية لتدمير الخصوم، وابتزاز المسؤول، وتقدم له خيارا واحدا يقول التالي: مكنا من رقاب الدولة والمجتمع، ونحن نمرر لك كل ما تريد من مشاريع، يتم ذلك بالفعل من خلال مكيناتهم الضخمة التي مارست هذه الأعمال طوال عقود.

يا لها من مكائن لا تتوانى عن استخدام الكذب، لتشويه الخصوم، وإلغاء مواقفهم، وتحقيق أهدافهم الدائمة بإسقاطهم شعبيا، من أجل تمرير أجنداتهم، وتعزيز دور أبناء عشيرتهم، والدفع بالطبقات الشعبية لتبني نظرية «الشاي»، بلا وعي ولا تفكير.

في العام 2001، تبنى تنظيم القاعدة الإرهابي، أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لقد كانت صدمة عنيفة، أن تجد بين تسعة عشر إرهابيا، خمسة عشر سعوديا، حاول المثقفون والكتاب، ووسائل الإعلام السعودية، تبني خطاب متسامح يعمل على مسارين داخلي وخارجي، لتعزيز فكرة «التعارف» بين الشعوب، التي طرحها القرآن.

إلا أن صانعي «الياسمين»، اتهموا كل المدافعين عن تلك الفكرة، بالتغريبيين الذين تلقوا «شاي بالياسمين» من الغرب، في الوقت الذي لم يدينوا الإرهاب ولا الفكر القاعدي القطبي الذي انطلق منه.

ولنعد أكثر من ذلك، في فترة الثمانينات تحديدا، تبنت خلالها خلايا الشر الحركي، صداما عنيفا مع كل الآخر الذي يعتقدون أنه يمثل خطرا عليهم، سواء كانوا أفردا مستقلين، مثقفين وكتابا وشعراء وروائيين، أو مؤسسات، كالصحف والمجلات، وانتهاء برجال الدولة التكنوقراط.

كان صراع الصحوة مع التيارات السعودية، صراعا لا أخلاقيا، استخدم فيه الدين، كرأس حربة في الاختلاف، متهمينهم ببيع الدين والمواقف من أجل الدولة، فقط لأنهم لا يتبنون الخطاب الفئوي العنصري الإقصائي، الذي بثه الحركيون في المجتمع.

وكما حصل سابقا، يحصل اليوم، فما إن يخرج كاتب أو مثقف أو خبير سياسي أو أمني أو اقتصادي، ويعطي رأيا متفائلا أو محايدا، في أحد المشاريع السعودية التي تطرح، حتى تشن عليه «الحسابات السوداء»، في وسائل التواصل الاجتماعي، حملة تشويه مركبة، لإقصائه وقتل بذور التفاؤل التي ينثرها، بل إن بعض من اتخذ مواقف إيجابية في البداية، استسلم لتلك الحملات، وعاد أدراجه للمناطق الشعبوية، الآمنة التي يديرها الحركيون.

حملة الشاي بالياسمين، لا تتذكر «الشنط بالياسمين»، التي يتصور معها الحركيون وهم يستلمونها من العاصمة الجارة، ولا التبرعات التي سرقت لتمويل العمليات الإرهابية، ولا الطحين وحليب الأطفال الذي تقاسموه وباعوه في الأسواق السوداء.

وبالتأكيد لن يعلنوا عن الرواتب العالية، التي تتدفق على حسبات بائعي الأوطان من أجل رضا عواصم أخرى، ويتم تغليفها بمحاضرات وندوات، وهيئات عالمية، واستكتاب في صحف قنوات تلك الدول، إنه الشاي «الحلال» أليس كذلك.