-A +A
طارق فدعق
هناك مقولة رائعة في عالم الطيران أن الطائرة التي شكلها «صح» ستطير «صح». أي أن الشكل مدلول الأداء إلى حد كبير. وفعلا ستلاحظ أن الطائرات الأكثر رواجا في عالم الطيران جميلة في خطوطها الانسيابية وتناسق أبعادها.. من طولها، وعرضها، وارتفاعها عن الأرض، ورشاقة حركتها في السماء وعلى الأرض. ولكن هناك ما يكسر هذه القاعدة بسهولة وهي طائرة السي 130 C130. ورمز «السي» هنا يرمز إلى كونها طائرة نقل Cargo كما هو الحال في التصنيف الأمريكي العسكري بوضع هذه الحروف لتعكس تخصص التصميم للطائرات المختلفة: تجد مثلا أن وضع حرف «الاف» كرمز يعكس أنها مقاتلة Fighter، و«الإيه» أنها هجومية Attack، وأما حرف «تي» فهو يرمز للتدريب Trainer، وحرف «بي» للقاذفة Bomber، و«آر» للاستطلاعية Reconnaissance و«إكس» للتجريبية Experimental وهكذا.. وطائرة السي 130 شكلها بعيد عن الجمال بكل تفسيراته.. جسمها سمين جدا نسبة إلى أجنحتها وخصوصا لو قارنتها بالطائرات الأخرى، لدرجة أنها تبدو وكأنها «حامل» في نهاية فترة الحمل.. وكأنها ستلد مجموعة طائرات صغيرة على أرض المطار يلاحقونها أينما ذهبت. ولو تمعنت في شكلها ستجد أنها تجلس على الأرض بطريقة هي أشبه بالانبطاح لأنها قريبة جدا إلى سطح المدرج لدرجة أنك تكاد أن لا ترى عجلاتها الست. وفي مقدمتها ستجد أغرب أنف لأي طائرة في العالم اليوم. وكأن المصمم تم تسريحه من العمل فقام بكروتة التصميم ووضع الأنف من طائرة أخرى بالكامل على عجالة أثناء طرده انتقاما من الشركة. ولكن كل هذا الكلام في جانب والواقع العملي في جانب آخر. السي 130 «هرقل» Hercules كما يسمونها هي إحدى أنجح الطائرات في التاريخ. تستطيع أن تقلع وتهبط من أراض غير معبدة، وفي مسافة تعادل طول حوالى خمسة ملاعب كرة قدم. وبإرادة الله تستطيع استيعاب حمولة كبيرة تصل إلى حوالى عشرين ألف كيلوغرام وبسرعة حوالى خمس مائة وخمسين كيلومترا في الساعة لمسافات بعيدة جدا تعادل المسافة بين جدة ونيويورك.. وأكثر، من خلال التزود بالوقود جوا. ومنذ بدء عملها في عام 1954 عملت في السلم والحرب لتنقل ملايين البشر من الأصحاء والمصابين بأمان وسلام. وملايين الأطنان من العتاد السلمي والحربي بفاعلية عالية وسرعة وسلامة. ونجحت أيضا في بعض من أغرب المهام الحربية مثل رمي أكبر القنابل التقليدية في العالم، واستخدام أكبر منصة مدفعية طائرة في التاريخ، وتنفيذ منظومة متكاملة من الحرب النفسية. وكانت من الطائرات الرائدة في تنفيذ علوم وفنون التزويد والتزود بالوقود جوا.. يعني تجدها منصة ثابتة لتزود الطائرات الأخرى بالوقود، وتارة أخرى تجدها تتزود بالوقود بكل ثبات وجدارة «لتمد رجولها».. أي لتوسع مدى عملياتها الجوية.

وبالرغم أنها تعدت الستين سنة من العمر، لا تزال تنتجها شركة «لوكهيد مارتن» الأمريكية تنتجها إلى يومنا هذا بتطورات جديدة وحديثة جدا، مما يجعلها أطول إنتاجا من أي طائرة أخرى في العالم. صنعت حوالى 2500 طائرة وباعتها لأكثر من سبعين دولة. وهي في مقدمة بطولات السلم والحرب. ومن دواعي الفخر أن الوطن كان من أوائل مشغلي هذه الطائرة عندما انضمت للقوات الجوية الملكية السعودية في عام 1969 وأصبحت الأداة الرئيسة للنقل الجوي العسكري. ولكن هناك مهمة أخرى أدتها هذه الطائرة لا يعرفها الكثيرون وهي مهمة نقل المعونات للدول الكثيرة التي ساعدتها المملكة أثناء الكوارث، علما بأننا من أوائل دول العالم في تقديم المعونات في الحجم وسرعة الاستجابة. فهي في الواقع سفيرة الخير للوطن.


أمنيـــــة:

بعد أن وصلت إلى مرحلة عمرية وضعتني في مرتبة «كبار السن»، أصبحت أقدر السلع الأكبر مني عمرا والتي تعمل بجد وإخلاص وفعالية. والسي 130 أكبر مني سنا، بل هي أكبر من معظم قراء هذا المقال عمرا. أتمنى أن نتذكر أن أسطول المملكة من السي 130 هو الأكبر حجما خارج الولايات المتحدة الأمريكية. وأنه من أكثر الأساطيل المعمرة المتميزة بسبب تميز برامج الصيانة الرائعة التي جعلت شباب هذه الطائرات متجددا دائما. أدعو لجميع العاملين الرائعين في تشغيل وصيانة هذه الطائرات الرائعة بالتوفيق والسداد بمشيئة الله

وهو من وراء القصد.