-A +A
عزيزة المانع
في أيامنا هذه، لم تعد الحرب مقتصرة على الشكل التقليدي للحروب، الذي يكون فيه إزهاق الأرواح وجريان الدماء أبرز مظاهر الحرب، في هذه الأيام تبدت للحروب أشكال جديدة أخرى مختلفة، وإن كانت كلها تلتقي في هدف واحد، النيل من الخصم في العمق.

من أشكال الحروب الجديدة، الحرب الإلكترونية، التي تطمح إلى تدمير حسابات العدو الإلكترونية وتعطيل أعماله وشل حركته، أو سرقة أسراره والسطو على معلوماته. وكذلك الحرب الاقتصادية، التي تنهج إلى محاصرة العدو اقتصاديا وتقييد معاملاته المالية بغية إضعاف قوته الاقتصادية، والحرب النفسية، التي تعتمد على التخويف والتهديد والإنذارات وإحداث الجلبة والتشويش، بهدف إنهاك القوى النفسية للخصم، وحرب الإشاعات، التي ترتكز على بث الأخبار المزيفة ونشر الأكاذيب بغرض البلبلة وإثارة التشويش وزرع المخاوف وتنمية الأحقاد.


ولعل حرب الإشاعات، هي الشكل الأحدث بين جميع تلك الأشكال، فقد ساعد ظهور الإعلام الجديد على بروزها حيث يحتل قصب السبق في سرعة انتشار الأكاذيب وسعة مدى ذيوعها.

نسج الأكاذيب وترويجها، يعد أدوات فعالة في تحقيق الأهداف، وسلاح باتر في حسم المعارك، سواء التي تدور علنا أو في الخفاء، وسواء بين الأفراد أو المؤسسات أو الدول، وصار من المألوف أن يلجأ كثيرون إلى استخدامها لتحقيق غايات لهم بعيدة، فلكي تدمر مسؤولا أو تسحق خصما أو تتخلص من منافس، ليس هناك أكثر فاعلية من أن تعمل على إطلاق الكذبة تلو الكذبة تبث سمومها في فضاء من تريد تسميمه.

حرب الإشاعات لها دوافع مختلفة وغايات متباينة، فبعضها تكون غايتها شغل الناس بما يصرف انتباههم بعيدا عما يحاك لهم، وبعضها تكون غايتها تنحية مسؤول غير مرغوب في بقائه في منصبه، وبعضها غايتها إحداث الفوضى والبلبلة بما يعرقل الإنجاز ويبطئ التحرك، وغير ذلك من الغايات.

هذه الحرب، يتوقف نجاحها على مستوى البراعة في عمليات التزييف وصياغة الأكاذيب التي تستخدمها، فكلما كانت الأكاذيب مصاغة بطريقة احترافية، زادت سميتها وصارت أشد فتكا، لكن هذا يتطلب ذكاء ومالا للاستعانة بالخبراء من المتخصصين في فن التزييف، لصياغة أكاذيب على مستوى من الجودة يحقق الأهداف المتوخاة.

أخيرا، فإن حرب الإشاعات كأي حرب أخرى، تحتاج لمواجهتها بنجاح، إلى التسلح بأسلحة قوية تماثل قوتها وتزيد، حتى يمكن ردعها وقطع الطريق عليها.

وفي هذا المجال، كم من المال والجهد والوقت تنفقه الدول، من أجل تنقية أجوائها مما يعلق بها من سموم الأكاذيب.