-A +A
محمد أحمد الحساني
تقام أحياناً حفلات تكريم لمسؤولين غادروا مناصبهم «مغادرة نهائية»، وتكون تلك الحفلات من باب الوفاء والتعبير عن التقدير للمسؤول المكرم على ما بذله من جهد مخلص وما أنجزه من أعمال ناجحة خلال تقلده لمهام المسؤولية الوظيفية، فتكون الحفلات ذات أهداف نبيلة طيبة لأنها تشعر المسؤول المغادر للمنصب أن هناك من يقدره ويعترف بما قدمه وأنجزه فيسر بما يجده من مشاعر دافئة وجدها تحفه وهو مُودِّع وهي قطعاً تختلف عن الزفة التي أحاطت به وهو في بداية تقلده للمنصب.

ولكن مع نبل أهداف حفلات التكريم للمسؤولين المغادرين إلا أن دهاء بعض الناس قد يحول ذلك الهدف النبيل إلى رسالة لمن يأتي بعد المسؤول المغادر في المنصب نفسه، ومضمون هذه الرسالة هي أنه إذا راعى خواطرهم وقضى أعمالهم «وسمع الكلام» فإنه سيكون موعوداً بحفل «يشنُّ ويَرنُّ» عند المغادرة، أما إذا تمسك بالأنظمة ولم يجامل حتى أقرب المقربين إليه إذا ما طلبوا منه إمضاء معاملة غير نظامية فإنه لن يجد من يكرمه عند الوداع ولن تهدى إليه سيارة جديدة ولا حتى درع خشبي لا يسمن ولا يغني من جوع بل تكسر خلفه عدة أوانٍ من الفخار وتحفه عبارات «الله لا يرد الغلا ولا كياله»، فإن كان المسؤول الجديد صاحب طاسة خفيفة وذمة رقيقة ويهمه جداً أن تصحبه فرقة حسب الله في القدوم وفي المغادرة، فإنه يوطن نفسه على المجاملات والتجاوزات وقبول الشفاعات التي يؤدي بعضها إلى ظلم مادي أو معنوي ولكنه لا يبالي لأن الرسالة وصلته من خلال تكريم سلفه وقد فهمها كما ينبغي فلا بد من الاقتداء به حتى ينال الرضى والثناء غير عابئ بما قد يناله من دعاء عليه من الذين سلبت على يديه حقوقهم في تعيين أو ترقية أو حق خاص لأن «حنكه» مال نحو الأحباب والأقارب وأهمل وظلم الأباعد. وفي جميع الأحوال فإني أنصح أي مسؤول مغادر ألا يجمعه حفل واحد مع المسؤول القادم حتى لو تم ذلك الحفل تحت شعار التوديع والاستقبال لأنه سيرى بأم عينيه كيف تلاحق النظرات والحفاوة الجديد أما هو فإن جومل من قبل من لديهم بقية من ذوق فإن كلمات مجاملتهم ستكون أشبه بكلمات الرثاء في وقت يكون المغادر بأمس الحاجة إلى كلمات ترفع من روحه المعنوية ولكن هذه هي حال الدنيا!