-A +A
نجيب يماني
في مجلس (موسى) الأسبوعي، انتظم عقد الحضور حيث تجتمع الفضائل على مائدة الوفاء والتقدير والحفاوة بالعطاء والمحبة، والسياحة في فرص الجمال المبثوثة في كل أرجاء المكان، مجلس يجمع تحت سقفه أطيافا مختلفة من النسيج الاجتماعي بينهم الطبيب والمحامي والمهندس والأديب والشاعر والكاتب والرياضي والفقيه والعالم وموظف الدولة والمتقاعد تدور نقاشات فياضة تتناول أحداث الساعة ومما يجري حولنا في الداخل الخارج يدلي كل برأيه في جو يسوده الود والتقدير والاحترام، حتى وإن اختلفت الآراء واحتدم النقاش يقف كل واحد عند قول الإمام الشافعي (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) المهم أن الحوار هو لغة العقلاء وبه تحصل الفائدة ويتحقق المرجو والمطلوب. تجنح بنا سفينة المجلس إلى أيام مضت فترسو على ذكريات الماضي بعبقه وإرثه التاريخي المضخم في الذاكرة فنسمع من صاحب المجلس العم عبدالله موسى أحلى ذكريات زمان عن مكة المكرمة وحواريها وباب الدريبة والباسطية وحارة الباب والشامية وحلقات المسجد الحرام التي ترسل نفحات من نور الإيمان في القرآن والتفسير والحديث والفقه والتجويد، وكيف كانت أيامهم تلك رغم صعوبة الزمان وقلة الإمكانات طرية بالمحبة محشوة بالمودة تطرز أفعالهم الرحمة في تآلف وتراحم وتقارب فلا ينام جار وجاره جائع. تتقارب بيوتهم تتكئ ظهور بعضها على بعض تمنعها من السقوط تساعدها على الوقوف بكبرياء وشموخ تتعانق رواشينها في صمت ينسل أريج بخورها وطيب عودها بين الشقوق يحمل رسالة لها كل المعاني خاصة من ألمت به المواجع وأرقه الشوق في حب صادق خاف عليه فأخفاه بين طيات قلبه حتى لا تفضحه عيونه وخفقات قلبه، كان السؤال هذه المرة حاضرا وبقوة يلقي بظلاله على سقف المجلس وحيطانه يدور في ذهن الحاضرين وخواطرهم ولكنه سرعان ما خرج إلى العلن مطروحا بصوت مسموع تلقفته آذان من في المجلس صاغية! نعيش مرحلة جديدة لم نتعودها من قبل ولم نفكر فيها أصلا، ظروف جدت على ساحتنا أخذت بنا عنوة لسياسة التقشف الجديدة التي تعيشها الدولة وانعكست على مشاريعها وإنفاقها العام نتيجة هبوط أسعار البترول وتذبذبها. فكيف نستطيع أن نتعامل مع هذا الوضع الجديد ونكيفه بما يتناسب وواقعنا الذي نعيش فيه؟ ونحن قد تعودنا على الإسراف والصرف بغير حساب وتبذير المال مرددين مقولة (أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب) مقولة لا تمت إلى الواقع بصلة تخالف كل قوانين الاقتصاد والمال لا تحسب للعواقب حسابا، وأن الزمان له دورات وصولات وجولات. نحن أمام تحول وطني كبير ذو ملامح جدية يحمل صورة واضحة لإصلاحات طموحة مستقبلية تهدف للحد من اعتماد المملكة على البترول وعوائده مع خطة عاقلة واسعة يحمل عنوانها (رؤية 2030) تهدف إلى تنويع دخل الاقتصاد السعودي بعيدا عن الاعتماد على البترول المصدر الوحيد للدخل بطلها الشاب الطموح الأمير محمد بن سلمان.. دار السؤال على الحاضرين بكل ما فيه من آمال وآلام ووقف أمام كل حاضر ليقول برأيه فيه. تضاربت الأقوال واختلفت الآراء وتعددت الأمثلة ولكن أجمع الحاضرون على أننا نعيش نمطا استهلاكيا غير واقعي بعيداً عن الرشد قريباً من النزق. تجاوزنا كل حدود العقل ومفهوم المنطق بسطناها كل البسط أنفقنا على أمور حياتنا بإسراف غير مبرر ودون تقنين ولم نكن بين ذلك قواماً كما وضحه الله عز وجل بقوله (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) أي عدلا ووسطا دون إسفاف وتبذير ويقول نبي الرحمة من فقه الرجل قصده في معيشته ويقول عليه الصلاة والسلام ما عال من اقتصد. حتى أن الإسراف والتبذير في النفقة معصية لله عز وجل، ونحن قد أسرفنا وبالغنا في أفراحنا وأحزاننا وعلى موائدنا وفي حلنا وترحالنا. نغير سياراتنا دون سبب، نشتري ما لا نحتاجه، نتفاخر بعدد السائقين والخدم العاملين وكم مرة نسافر في السنة وقبل أن يبلى القديم نشتري الجديد، تجاوزنا الحد في كل شيء، فنسرف ونبذر في ما ينبغي زائداً على ما ينبغي. ندعي الإسلام ولا نطبق تعاليمه التي تحثنا على أن نأكل ونتصدق ونلبس ونعيش في غير إسراف ولا مخيلة. فإن من السرف أن تأكل كل ما تشتهي، حتى الوضوء يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام لسعد بن معاذ وهو يتوضأ ما هذا السرف؟ فقال أفي الوضوء إسراف! قال نعم وإن كنت على نهر جار. ونحن نجعل من مكان وضوئنا بركة من ماء، ونحول الليل إلى نهار والصيف بالشتاء ونشكو من فاتورة الكهرباء وقبل أن يؤذن لصلاة العِشاء والعشاء كان اتفاق المجلس أنه يجب أن يتعلم كل مواطن، أن الإسراف خلق مذموم لأن فيه تجاوزا للقصد ومبالغة وخروجا على السلوك السوي لا نقصد من ورائه إلا المباهاة والتفاخر واستجابة للهوى وشهوة النفس. إنا أمام منعطف خطير يرسم ملامح حياتنا من جديد فلا بد أن نكون حذرين.

nyamanie@hotmail.com