-A +A
عزيزة المانع
هل يمكن لمن لم يعش الديموقراطية واقعا حيا يتقلب فيه كل يوم، أن يفهم المعنى الحق للديموقراطية؟

من لا يعرف معنى الديموقراطية الحقيقي، يصعب عليه للغاية فهم ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأيام في أعقاب ما أصدره رئيسها الجديد من أوامر تنفيذية تتعلق بإيقاف مؤقت لبرنامج قبول اللاجئين، وفرض حظر على لاجئي سوريا وتعليق مؤقت لدخول رعايا سبع دول إسلامية (العراق واليمن وسورية والصومال وإيران والسودان وليبيا).


رغم أن تلك الأوامر الرئاسية واجهت كثيرا من الانتقادات من مختلف الجهات، سواء من الأمم المتحدة وبعض دول أوروبا كألمانيا وفرنسا، أو من بعض الكتاب ورؤساء المنظمات الحقوقية والناشطين في أنحاء متفرقة من العالم. إلا أن ذلك لم يحل دون مضي الرئيس الأمريكي في تنفيذها.

ما إن وقع الرئيس ترمب أوامره تلك، حتى باتت قابلة للتنفيذ، وفي ظرف ساعات احتجزت المطارات الأمريكية كل القادمين إليها الذين حظر عليهم دخول أمريكا، وفي مطارات دول أخرى منع رعايا الدول المدرجة في الحظر من إتمام إجراءات سفرهم إلى أمريكا، فبقوا محجوزين في المطار وتعطلت مصالح كثير منهم، ووقعوا في مآزق.

هذا الاحتجاز الارتجالي، كانت له ردة فعل قوية لدى بعض الجهات ذات العلاقة وجمعيات المجتمع المدني، فقد ظهرت أوامر الحظر تعسفية ومنافية لما يقره الدستور الأمريكي المؤسس على القيم الديموقراطية التي من بينها حماية الحريات والحقوق وحماية الفارين من الاضطهاد والعنف بصرف النظر عن عرقهم أو جنسيتهم أو دينهم.

لهذا بادرت إدارة حقوق المهاجرين إلى مقابلة المحتجزين في المطارات متعهدة بتقديم المشورة القانونية لهم والعمل على إخراجهم من الحجز. وانضمت إليها جمعيات حقوقية متطوعة بالدفاع عن حقوقهم، ورفعت باسم المحتجزين شكوى للمحكمة الفيدرالية تطعن في شرعية أوامر الرئيس ووزارة الداخلية القاضية باحتجاز القادمين إلى أمريكا، فمتى كان القادمون يحملون طلبات لجوء مقبولة، أو كانوا يحملون بطاقات خضراء أو تصاريح قانونية تخولهم الدخول الى أمريكا، فإن احتجازهم يكون أمرا غير دستوري، وكسب المحتجزون الدعوى بأن أصدرت المحكمة حكما يقضي بإطلاق المحتجزين وعدم ترحيلهم.

هذا الموقف الأمريكي الفريد، الذي تمثلت فيه قيم الحرية والديموقراطية بجلاء، حيث يتاح لجمعية مدنية أن تشتكي الرئيس ووزارة داخليته إلى القضاء، فينصفها القضاء بالحكم بإيقاف تنفيذ أمر رئاسي.

إن هذه المبادرة والتفاعل الإيجابي مع القضايا التي تتعلق بالحقوق الإنسانية، حرصا على عدم التفريط بما تؤمن به أمريكا من القيم والمبادئ، هو ما يجعل أمريكا (غير)!.