-A +A
عبدالعزيز معتوق حسنين
بحكم أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز (يرحمه الله) توفي في ربيع الآخر، وبحكم أنني أبو البنات تذكرت كلماته حين قال: هي أمي هي ابنتي هي أختي إلى آخر الكلمة وهو يأمر للإناث المشاركة في مجلس الشورى والمجلس البلدي. هذا ذكرني بالطبيبة إليزابيث بلاكويل أول امرأة أنثت الطب. عام 1811م تلقت كليات الطب في أمريكيا طلبا للالتحاق بها فتاة ترغب في أن تتعلم الطب لتصبح أول طبيبة في العالم. واستولت الدهشة على عمداء هذه الكليات وردوا على صاحبة الطلب الجريئة بأنه ليس في وسعهم قبول طلبها لأنه بلا سابقة. وشددوا على المحاذير من جراء رؤية فتاة تتعلم أشياء عن طبيعة الجسم البشري ووظائف أعضائه. ورأى الكثيرون أن الطب مهنة خاصة بالرجال ولا دخل للنساء فيها. هكذا كان المفهوم العام في أمريكا قبل حوالي قرنين من الزمن. كانت إليزابيث مجتهدة ومغمورة. وكانت لدى عودتها كل مساء تنكب على كتب الطب والتشريح التي كانت تبتاعها بما تدخره من مرتبها الضئيل. وغايتها من ذلك دراسة الطب. وكادت إليزابيث أن تيأس لهذا الرفض وأيقنت أن حلمها سينهار. ولكنها ذات يوم تلقت من كلية أمريكية للطب كتابا أبكاها من شدة الفرح فلقد جاء فيه أن عمدة الكلية رأى أنه ليس ثمة سبب مشروع يحول دون السماح لفتاة دخول كلية الطب لدراسة هذا العلم. وكانت الشهور الأولى في كلية الطب عبئا ثقيلا على كاهل إليزابيث بحكم أنها الأنثى الوحيدة، ولكنها انتصرت على كل العقبات. إليزابيث بلاكويل فتاة أمريكية ومثال على تأكيد الذات مع العزم والحزم والمثابرة، فعلينا أن نتوقع كم المعاناة التي عانتها الطالبة (إليزابيث) وبالذات مع زملائها من الطلبة الذكور، ولنا أن نتخيل كمية المشاعرالمختلفة مع هؤلاء الطلبة وأساتذتها الذكور، فمن مبغض لها مشمئز من تقمصها لمهنة من مهن الرجال آنذاك، إلى غيور حاسد على إصرارها لتكون طبيبة. كان هذا قبل أكثر من قرنين فالملك عبدالله (يرحمه الله) أخرجنا من ذلك العصر وأدخلنا للقرن الواحد والعشرين. كيف لا والأنثى هي أول مدرسة لكل منا في بيوتنا هي أمنا. والجدير بالذكر أن إليزابيث كانت بريطانية الولادة والأصل. تخرجت إليزابيث عام 1817م الأولى على فصلها لتصبح أول طبية في عالم الطب الحديث. عادت إليزابيث بلاكويل إلى بلدها بريطانيا للعمل في أول كلية طب للبنات عام 1822م وسميت الرويال فري هوسبتل كلية الطب للنساء في لندن في شارع اسمه «هنتر ستريت». وبعدها أصبحت جزءا لا يتجزأ من جامعة لندن وفتحت أبوابها للرجال ففيها درست أنا الطب وتخرجت منها. والظريف في هذا أنني في عيد الأضحى الماضي 1437هـ رافقت ابنتي وحفيدتي إلى لندن لأسجلها في جامعتها. أثناء رحلتي هذه زرت مستشفى الرويال فري ورأيت لوحة من الرخام على مدخل المستشفى منحوت عليها هذه الذكرى: الدكتورة إليزابيث بلاكويل هنا عاشت وعملت وماتت وهي أول امرأة طبيبة تسجل في سجل الأطباء في بريطانيا. من هذه الكلية تعلمت الكثير عن مهنة الطب مما يوجد ولا يوجد في الكتب. رحمك الله يا أبا متعب وأطال الله في عمر سلفك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وأبقاه ذخرا وأمنا لنا. هكذا تأنث الطب قبل قرنين.

للتواصل: فاكس: 0126721108