-A +A
خالد عباس طاشكندي
** تزامنا مع «البروباغاندا» أو الضجة التي أثيرت مؤخراً حول خبر تعيين الخطوط السعودية للبنانية كريستي سركيس، في منصب مستشار علاقات عامة، قامت «الخطوط القطرية» التي لم تترك المرتبتين الأوليين منذ ست سنوات كأفضل شركة طيران على مستوى العالم وفقاً لتصنيف «سكاي تراكس»، بتعيين المواطنة السعودية شروق سلطان مديرة للعلاقات الحكومية وشؤون هيئة الطيران بالخطوط القطرية في المملكة، وفقا لصحيفة مكة في خبرها المنشور الثلاثاء الماضي، وهو ما يعد درساً من القطرية حول قدرتها على خلق فرص عمل واعدة للسعوديين في فروع الشركة بالمملكة ووفقاً لأعلى معايير جودة تأهيل وتدريب الموارد البشرية.

مثل هذا الحدث ليس بجديد وسبقه حالات عديدة مشابهة، وأذكر أن الخطوط السعودية نشرت في العام 2012 إعلاناً بإحدى الصحف الأجنبية تطلب فيه توظيف 120 طياراً من الجنسية الهندية أو الجنسيات الآسيوية الأخرى، وبرواتب تتراوح بين 30 ألف ريال إلى 37 ألف ريال، إضافة إلى تغطية بدل السكن والتأمين الطبي وتأمين الرخص، في حين أنه في ذات العام تقدم أكثر من خمسين طيارا سعوديا من بين 700 آخرين عاطلين عن العمل بعد أن تخرجوا من معاهد وكليات متخصصة في دول أجنبية، برفع قضية تظلم في ديوان المظالم بجدة، ضد الخطوط الجوية السعودية لعدم ضمهم ضمن حقل طياري الناقل الوطني منذ عدة سنوات، والقضية ليست محصورة في الخطوط السعودية بل هي ظاهرة عامة في القطاع السعودي الخاص، وهو ما يعطي العديد من الانطباعات والاستنتاجات السلبية، فإما أن القطاع الخاص لا يثق في كوادرنا الوطنية، أو أن هذا القطاع لا يجيد انتقاء الكفاءات الوطنية ولا يقوم بإعداد استراتيجيات توظيف للموارد البشرية، أو ربما قطاعنا الخاص ليس لديه رغبة في تكبد عناء تدريب وتأهيل الكوادر الوطنية ولا توجد أنظمة تلزمهم بذلك، وأيا كانت المبررات لا أستطيع تفهمها أو تقبلها.


** من جهة أخرى، انتشرت خلال الأشهر الماضية، «ظاهرة» الفصل الجماعي للموظفين السعوديين -على وجه التحديد- في كبرى شركات القطاع الخاص، وكأنها عمليات «إجهاض للسعودة» إن جاز التعبير، أو كأنما هناك «أوكازيون» فصل موسمي ومتنوع للكوادر الوطنية من 20% إلى 50% وما فوق، فأصبحنا يوماً بعد آخر نشاهد «هاشتاقا» جديدا على موقع «تويتر» يصل إلى أعلى «الترند» حول عملية فصل جماعي لموظفين سعوديين في إحدى الشركات أو البنوك.

والأسباب تعود إلى أن شركات القطاع الخاص اتجهت مؤخراً نحو إعادة هيكلة أقسامها الداخلية حتى تتواءم مع الظروف الاقتصادية الحالية وتواكب المتغيرات القادمة خلال عملية التحول الوطني 2020، ولذلك قامت العديد من الشركات بعمليات جرد شاملة للموظفين والمهام، ثم شرعت في عمليات التقليص تدريجيا والاستغناء عن الموظفين استناداً إلى المادة (77) من نظام العمل، والتي كان الهدف الأساسي منها هو حفظ حقوق العامل والمنشأة التي يعمل لديها، خاصة أن هذه المادة حددت مقدار التعويض الذي يحصل عليه الموظف عند فصله تعسفياً والذي كان محل خلاف طويل في نظام العمل السابق، ولكن الكثير من الشركات للأسف قامت باستغلال ثغرات هذه المادة بطريقة سلبية لفصل أكبر قدر من الموظفين وبأسرع وقت، ثم تسارعت وتيرة عمليات التسريح الجماعي للموظفين السعوديين في الآونة الأخيرة تزامناً مع الأنباء المتداولة حول احتمالية إلغائها، وأيضا دراسة مجلس الشورى للمادة (77) وتوصيته بمعالجتها بأسرع وقت، لذلك هرعت هذه الشركات نحو التخلص من السعوديين قبل سد ثغرات نظام العمل.

الأمر المزعج في هذه القضية هو احتفاظ بعض شركات القطاع الخاص بموظفين أجانب لديهم رواتب مرتفعة وفلكية أحياناً أو استقطابهم في هذا التوقيت الحرج برواتب ضخمة بحجة أنهم استشاريون وخبراء، كما هو الحال في قضية الخطوط السعودية المثارة حالياً.

وفي رأيي الشخصي حول السبب الرئيسي في كل ما يجري من ممارسات سلبية في سوق العمل السعودي، هو أن الكثير من الشركات المتوسطة والكبيرة تسعى للربح السريع والمتعجل وتفتقد للتخطيط واستشراف المستقبل وفقاً للمعايير الأساسية للجودة الشاملة، مثل المعايير التي تضعها «الايزو» والتي تضمن قاعدة صلبة للتطور والاستمرارية ومواجهة التقلبات الاقتصادية والحد من الإهدار في إمكانيات المؤسسة، كما أن الحصول على شهادات «الايزو» يساهم في تمكين المؤسسات من تحليل المشكلات التي تواجهها ويجعلها تتخذ الإجراءات التصحيحية والوقائية لمنع تكرارها مستقبلا، وبالرغم أن بعض هذه الشركات حصلت بالفعل على «الايزو»، إلا أنه لا يخفى على الكثيرين أن بعض الشركات تتحايل بطرق ملتفة للحصول على «الايزو» شكلياً وبغرض إغراء العملاء والمستثمرين بأن لديهم معايير جودة عالية أو بغرض الحصول على دعم حكومي، ولذلك لم تستطع هذه الشركات التعامل مع الظروف الاقتصادية بالشكل الملائم فاتجهت مباشرة إلى التسريح وتقليص المصروفات.

«الفشل في التخطيط.. هو تخطيط للفشل»