-A +A
حسين شبكشي
مهرجان الجنادرية بات جزءا رئيسيا من فعاليات المجتمع السعودي لسنوات طويلة، وتتوسع قائمة المواضيع عاما بعد عام. وهذه السنة اختارت إدارة المهرجان أن تضيف ندوة خاصة جعلتها الندوة الافتتاحية عن موضوع الساعة في الجنادرية وهو رؤية 2030. ولقد طلبت مني اللجنة المنظمة رئاسة وإدارة هذه الجلسة والتي كان فيها وزير المالية محمد الجدعان ووزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية خالد الفالح ونائب وزير الاقتصاد والتخطيط محمد التويجري والمحلل الاقتصادي فضل البوعينين. وقد طلبت من اللجنة ومن السادة المشاركين الابتعاد عن إلقاء الكلمات الطويلة والتي لم يعد أحد يستمع إليها، فدرجة التركيز قلت عند الناس وبات الجوال عدو الكلمات المطولة وبالتالي سيفقد التركيز بين تثاؤب ونوم وكلام جانبي وبالتالي تم اعتماد أسلوب السؤال والجواب، ووجدت قبولا فوريا من المشاركين وتركت الأسئلة والمحاور لتقديري دون أي تدخل. ولقد وجدت جاهزية لافتة وثقة مطمئنة ومقدرة مهمة في أسلوب تعاطي المشاركين في الندوة، تعاملوا مع الأسئلة القوية والمحرجة بكل أريحية وبكل سعة صدر وبمنتهى الشفافية، كانوا على يقين أن السعودية تدخل بالرؤية التي تبنتها مرحلة جديدة وغير مسبوقة وأنها تنتقل من حالة إلى حالة أخرى مغايرة تماما، وهي فكرة يبدو أنها لم تترسخ في أذهان البعض لأنهم لا يزالون يريدون «البقاء» على الوضع القديم، بينما كافة المؤشرات تقول إن الوضع القديم لا يمكن الاستمرار فيه.

من أهم المؤشرات المطمئنة التي جاءت مع الرؤية الجديدة هي أسلوب التعاطي مع الشأن العام المالي، أسلوب الطرح والتأهيل للمتحدثين بالمعلومات والإجابات. والحقيقة هنا أتحدث عن تجربة شخصية، فوزير المالية الجديد الأستاذ محمد الجدعان أعاد الثقة بين وزارة المالية وبين القطاع الخاص بأسلوب تعاطيه المنطقي مع الحدث وشفافيته. فوزارة المالية ومنذ الثمانينات الميلادية في حقبتها الأكثر سوداوية دأبت على التأخر في السداد للمستحقين وكأن ذلك نوع من «الذكاء» منها، اليوم الوزير الجديد ألغى ذلك ووعد بالالتزام وكان شفافا وواضحا في الإجابة على كل الأسئلة.


الوزير خالد الفالح أجاب بسعة صدر كبير وبتمرس ومهنية استثنائية أجاب فيها على سلسلة كم غير قليل من الأسئلة المتعلقة بالطاقة واكتتاب أرامكو ومستقبل النفط وتوسيع قاعدة الدخل غير النفطي. وكان وجود الأستاذ محمد التويجري نائب وزير الاقتصاد والتخطيط إضافة نوعية مهمة وعميقة تؤكد التغيير الكامل الذي حدث في الوزارة بعد تغيير فلسفتها وتوجهها وساهمت بصناعة الرؤية الكبرى للبلاد لأنها في حقبتها الأخيرة لم تكن إلا مشاركة في ندوات ومؤتمرات وتوزع ابتسامات بشكل ممل وغريب، وكان حضور الأستاذ فضل البوعينين لافتا أضاف نكهة لنقله الطرف الآخر الشعبي ورأي الناس في المواضيع التي طرحت في الندوة.

الندوة كشفت تعطش الساحة المحلية للمزيد من التفاعلات مع المسؤولين الكبار، فردود الأفعال الإيجابية تثبت أن الشفافية والمصارحة والمكاشفة هي مطالب مهمة للناس وتتحقق من هكذا مناسبات والتي بحاجة لأن تتكرر وأن يكون هناك هدف إستراتيجي في الخطاب الإعلامي لمخاطبة الرأي العام السعودي بنفس درجة الحماس التي يتم بها مخاطبة الإعلام الدولي بكافة وسائله ومنابره لأن الجولة الأولى والرئيسية التي يجب الاهتمام بها وحسمها هو «بيع» الرؤية للشارع السعودي وهي مسألة لم يولها الخطاب الإعلامي المصاحب لها القدر الكافي من الوقت ولا من التقدير. والشيء اللافت أيضا أن هناك تفاوتا واضحا بين وزراء «الرؤية» فليسوا جميعا على نفس المقدرة من الجاهزية والاستعداد ولا «الإلمام» بالموضوع وبالتالي بالقدرة على الإقناع.

ندوة الجنادرية عن رؤية 2030 كشفت عن استعداد الشارع السعودي للتفاعل الإيجابي مع النقلة المهمة الحاصلة في بلاده متى ما تم تقديم المعلومة بشكل مباشر وصريح وتمت الإجابة على الأسئلة والهواجس بشكل شفاف ومحترم، وهذه بحد ذاتها نقلة نوعية تثبت أننا دخلنا مرحلة جديدة من التواصل بين الحكومة والمواطن لم تكن موجودة من قبل.