-A +A
عزيزة المانع
حين تطلق هذه العبارة نحملها على محمل التندر، لأننا غالبا نربطها بعلاقة الحب التي تجمع بين الرجل والمرأة، وقد تبعث في ذاكرتنا بعض الأساطير المتداولة عن العشاق الذين قتلهم الحب!!

لكن الحقيقة قد تكون غير ذلك، فالموت بالحب كما يظهر، ليس حكرا على العشاق، الذين أحيانا يظلون يعانون كبد الحرمان من الحبيب حتى يحرقهم الشوق فيقضي عليهم، هناك غيرهم كثير ممن يصطادهم الحب ويظلون مستسلمين له يمتص أرواحهم شيئا فشيئا إلى أن يسقطوا صرعى بين يديه.


من ضحايا الحب الواقعين في إساره، أولئك الذين يسقطون في فخ عشق الألعاب الإلكترونية فيغرمون بها أي غرام، وكلمة (غرام) لم ترد هنا عبثا، فالغرام حسب ما يقول علماء اللغة، يعني فرط التعلق بالشيء وعدم القدرة على التخلص منه، فعالم الألعاب الإلكترونية بات بحر عشق مباح، يخوضه معظم الناشئة الذين ما إن يتوسطوا داخله حتى تبتلعهم أمواجه، فيغيبون عن عالمهم الواقعي ليعيشوا في عالمه الافتراضي، ينسون طعامهم ونومهم وصحتهم وأهلهم ودراستهم وواجباتهم تجاه كل ذلك، ولا يتذكرون سوى ما التصق بأدمغتهم من إيحاءات ذلك العالم العجيب.

ومنهم أيضا، أولئك الذين يتعلقون ذلك التعلق الشديد بالإنترنت وما تحويه من وسائل التخاطب المتنوعة، وهي وسائل جاذبة لكونها تشبع كثيرا من الاحتياجات النفسية لعشاقها، فالعدواني يمكنه أن يخوض عبرها معارك افتراضية مع الآخرين تشبع ميوله العدوانية المخزونة داخله، ومدعي العلم، يمكنه عن طريقها أن ينشر آراءه ومفاهيمه وأن يتلقى عليها ما يحب من الثناء والتمجيد بما يشبع حاجته إلى ذلك، والمعجب بنفسه المزهو بذاته، يمكنه أيضا أن يصور نفسه في أي شكل شاء، وأن يسجل صوته في أي حديث يحب، فيعظ ويفتي ويغني وينكت ويهجو ويروي الشعر، بإمكانه أن يقول أي شيء بلا حرج، فالزهو بالذات يجعله لا يرى سوى الحسن فيما يطرح مهما بلغت درجة القبح فيه!

عشق الإنترنت، والانجذاب نحو العيش داخل صومعة العالم الافتراضي، يقبح لدى عاشقها العيش في عالم الواقع المغاير، فينعزل داخلها مبتعدا عن كل شيء سوى ما يزيده التصاقا بمعشوقته الإنترنت، فيعطي لعالم الأحياء قلبا أصمَ، حتى يصير حيا كالميت.

وهناك أنواع أخرى من العشاق غير هذه، هناك الواقعون في غرام مخدرات العقل، سواء كانت مواد كيماوية أو غيرها، وهناك الواقعون في غرام لعب الكرة، وغرام مشاهدة الأفلام والمسلسلات، وغرام جمع المال، ولعل هذا من أخطر أنواع الغرام، فمن يقع في غرام تأمل أرصدته وهي تنمو وترتفع، قد ينتهي به الغرام إلى التضحية بدينه وأمانته وضميره، فيقتله غرامه حتى وإن بقي مقيدا في سجل الأحياء.