-A +A
إدريس الدريس
البلد الذي لا يتجدد هو الذي لا يتردد وهو الذي يستولد الطاقات والقدرات وتتعدد عنده الوجوه في المشهد العام من الذين يمسكون بمسؤولية العمل الحكومي.

والبلد الذي يتجدد هو الذي لا يعتمد أسلوب التدوير في قلة قليلة ومحدودة في تكرار لنفس الأشخاص الذين يتنقلون من وظيفة لأخرى ومن مؤسسة إلى هيئة ومن هيئة إلى وزارة أو من وزارة لوزارة في تسلسل مكرس للمحسوبية والعشائرية حتى تنحصر الوظائف القيادية في مجموعة محدودة ومعروفة بما لا ينسجم منطقياً مع عدد سكان البلد ولا يتسق مع حجم المبدعين القادرين من المواطنين المخلصين.


إن نهج التدوير وأسلوب التكرار إنما هو تعزيز لحالة التصنيم وتمجيد لأفراد بعينهم رغم أنهم مثل غيرهم لكن طول بقائهم أو كثرة تحولهم من مكانٍ إلى مكان ومن منصب إلى آخر ومن جريدة إلى أخرى ومن مركز إلى آخر أو من وزارة إلى وزارة هو الذي يخلق لهم هيبة وقداسة مجتمعية تخشى انتقادهم أو مساءلتهم.

نعم فهذه (الحصرية) هي التي تجعل البعض يصر كمثال على أن محمد عبده هو الأول والأخير، ومع إقراري بكونه المطرب الأول لكنني أستهجن نعتهُ بالمطرب الأخير، وكذلك الحال مع من يجزم مؤكداً أن ماجد عبدالله أسطورة ليس كمثله أحد، فماجد أسطورة فعلاً، لكنني أرفض الجزم بأنه لن يتكرر، ومثل ذلك من يقول إن الثنيان (يؤسف) على أن ليس له بديل، وكذلك حالنا مع غازي القصيبي ومحمد الثبيتي وسراج عمر، وسيكون كذلك مع الشاعر بدر عبدالمحسن وتوفيق الربيعة وناصر القصبي وكثير جداً مثلهم.

نعم أتفق على ندرة المبدعين، لكنهم يعودون دائماً في نسخ أخرى لأن الزمن لا يتوقف على أحد بعينه ولكن التعود والألفة على تمجيد الأفراد هو ما يجعلنا نتمسك بمسؤول ملتصق بكرسي منصبه لعقود، وهو الذي يجعلنا نمجد لاعباً حتى بعد أن يخلع حذاءه، وهو ما يجعلنا نتمسك برئيس قطاع أو رئيس تحرير جريدة لأكثر من 40 عاماً.

أليس في هذا البلد غير هذا الولد؟

وأليس في هذا البلد أكثر من هذا الوزير؟ وهذا اللاعب؟ وهذا المطرب؟ وهذا الصحفي؟

لقد بالغنا فضيقنا على أنفسنا إلى الحد الذي صرنا معه نتحسر على بعض المسؤولين عندما تنتهي الحاجة لهم بالإعفاء أو الإقالة إلى الدرجة التي جعلنا فيها مجلس الشورى محطة استراحة للقدرات التي أعطت واستنفدت ما عندها على النحو الذي دفعنا إلى تحويل بعض المسؤولين قطع غيار لمجلس الشورى.

هل أجدبت البلد؟ وضمرت؟ وشحت؟ إلى هذا الحد؟!

إن على من يريد التحول والتطور والنمو أن يحرك الآسن ويغير الثابت وأن يعاقب الفاسد ليرتدع كل من في حسابه البنكي (مرض).

لابد من توسيع قاعدة القياديين لكي تنشط الأوردة في ضخ الجودة في دورة إنتاجنا الدموية وبذلك سيتأكد لنا دائماً أن في الحركة بركة وأن التصنيم سبب في انسداد شرايين التنمية، وأن أي بلد يقع تحت طائلة الثبات والركود والرتابة سيبقى مهددا بالجلطات.

حفظ الله (بلدنا) من كل بأس وشر.