-A +A
حمود أبو طالب
ربما تكون جماعة الإخوان هي أول تنظيم وضع في أولويات إستراتيجيته التركيز على استقطاب كوادر من طبقة التكنوقراط في مختلف التخصصات ليحقق بذلك هدفين مهمين بالنسبة له، التغلغل في كل مفاصل المجتمع وفئاته للسيطرة عليها وتجنيد أكبر عدد ممكن من عناصرها، والهدف الثاني هو التمويه باستغلال الفهم النمطي التقليدي السائد لدى الكثير بأن التطرف الديني وتبني الأفكار المنحرفة التي تحولت إلى ممارسات عنف وإرهاب مقتصر على طبقة متدنية التعليم أو المنخرطين حصراً في المجال الدعوي الحركي المسيّس، وبذلك يصرفون التركيز على الفئة الأهم التي تقوم بالأدوار المحورية، ولذلك ركزت تلك الجماعة التي انبثقت منها أو استندت إلى مفاهيمها التنظيمات المتطرفة اللاحقة التي مارست الإرهاب العملي كالقاعدة وداعش، بأجنحتها التنظيرية والتخطيطية والميدانية، ركزت على اختراق الأوساط العلمية واستقطبت كثيراً من المتخصصين فيها ليحققوا بالإضافة إلى الاستفادة من مجالاتهم بصفتهم الشخصية استقطاب تلاميذهم وزملائهم والعاملين في محيطهم، لتصبح هذه الكوادر هي الأهم والأخطر.

لذلك فإن الخبر الذي قرأناه أخيراً عن محاكمة طبيب سعودي سخّر نفسه وعلمه لخدمة إرهابيي داعش، والإحصائية التي شملها تقرير «عكاظ» يوم أمس عن الأطباء الذين تورطوا في مساندة التنظيمات الإرهابية بتقديم العلاج لأفرادها في الداخل والخارج أو شاركوا في عملياتها، ليس خبراً مفاجئاً لأن هذه الساحة تم اختراقها منذ وقت بعيد، وما هذا العدد القليل الذي تم اكتشافه سوى رأس الجبل الجليدي الذي يتخفى ويتجذر في أعماق المجتمع. وإذا ما استرجعنا الماضي القريب وتذكرنا مناداة بعض العاملين في الوسط الطبي بمطالب متطرفة جداً وغير معقولة لتطبيقها، وتلويث سمعة هذه المهنة المقدسة باختلاق قصص وحكايات بذيئة تمس سمعة وشرف العاملين فيها، فما ذلك إلا الجانب الإعلامي والترويجي لفكر التطرف في هذه الساحة.