-A +A
طارق فدعق
أصبحنا في هذا الزمان لا ننظر إلى السماء إلا في النادر. تأمل متى آخر مرة نظرت إلى تلألؤ النجوم الرائعة التي تضيء سماءنا الجميلة كل ليلة. ولكن الموضوع أكثر من مجرد الجمال فحسب، ففي الصورة الرائعة للسماء عظمة كبيرة لا يعلمها إلا الخالق عز وجل. ومعظمنا نذهل من قوله عز وجل في سورة الواقعة «فلا أقسم بمواقع النجوم. وإنه لقسم لو تعلمون عظيم». صدق الله العظيم. وكل النجوم بدءا من الشمس تجعلنا في حالة ذهول لو تمعنا في روائعها. لاحظ أنك عندما ترى الشمس، أو أيّا من النجوم الأخرى، فما تراه هو موقعها في الماضي عندما تركت بصمتها وغيرت مواقعها بمشيئة الله.. والسبب هو أنه خلال فترة وصول الضوء إلى أعيننا ستكون النجوم قد تحركت.. ظاهرة إدراك أغرب من الخيال، لمن يحمد الخالق على نعمتي الإدراك والخيال العظيمتين. وإحدى الغرائب العلمية هي أن تاريخ اكتشاف مواقع النجوم جاء ببطء على مر مئات السنين، ثم شهد صحوة سريعة بنهاية القرن التاسع عشر في أغرب القصص. وتحديدا في عام 1890؛ ففي جامعة هارفرد في الولايات المتحدة، قام رئيس قسم الدراسات الفلكية البروفسور «بيكارنق» بمشروع بحثي غاية في الطموح لرصد النجوم. وكانت تلك الجامعة المرموقة تملك أحد أفضل المراصد الفلكية على مستوى العالم، وكان لديها أفضل الأقسام العلمية المعنية بالفلك. والملاحظ أن بمراقبة النجوم وخصائص مداعبتها للضوء يمكن استنتاج خصائص كثيرة عنها.. حرارتها، ومكوناتها، وأحجامها، ومواقعها، وغيرها. تخيل أن ذلك يمكن استقراؤه من ألوان الأطياف النابعة منها والتي تعكس حرارتها ومكوناتها الكيميائية، إلى كمية الضوء النابع منها، وفترة انبعاث ذلك الضوء.. وعلى سبيل المثال فاللون الأزرق يعكس أن النجم يهرول نحو الناظر، وأما اللون الأحمر فيعكس أن النجم يبتعد عنه. ولكن في جميع الحالات فقد يكون هذا النجم في خبر كان.. أي أنه قد يكون قد أفناه الله عز وجل منذ فترة.. ربما منذ آلاف السنين.. لأننا ما نرى هي مواقع النجوم عندما أطلقت الضوء ولا نرى النجوم نفسها. ونعود إلى مشروع جامعة هارفرد فنجد أن البروفسور «بيكارنق» المسؤول عن البحث قرر أن يستخدم مجموعة من السيدات لإجراء الرصد الدقيق للنجوم التي نراها كل ليلة. كانت مهمتهن الرئيسة هي الرصد البصري وتسجيل الخصائص، ومن ثم إجراء عمليات حسابية كثيرة ومعقدة جدا لدرجة أن مسمى وظائفهن الرسمي كان «الحاسوب» Computer. وكان هذا المشروع لرصد النجوم طموحا جدا، ومكلفا جدا. وكانت سابقة فريدة لجامعة هارفرد، بل وللولايات المتحدة بأكملها. ولكن هناك ما هو أغرب من ذلك، فكان بعضهن من الأمريكيات من ذوي الأصول الأفريقية. وانقلبت الدنيا لأن معظمهن لم يحملن أية مؤهلات جامعية. بل إحداهن واسمها «وليامينا ليفيت» كانت تعمل في وظيفة «عاملة منزلية» في منزل البروفسور قبل أن يوظفها: فضلا تأمل هذا الوضع: توظيف سيدات في نهاية القرن التاسع عشر... ومن أصول أفريقية في أمريكا... ودون مؤهلات جامعية في جامعة هارفرد....وإحداهن عاملة منزلية. وأصبح هذا الفريق أضحوكة عالم العلوم في أمريكا وأطلقوا عليهن اسم «الحريم». وإن كنت من هواة عالم الفضاء والفلك، فستجد أن هناك فوهة بركان اسمها فوهة «ليفيت» على سطح القمر تمت تسميتها على اسم «هنريتا ليفيت» وهي إحدى «حريم» الفلك في جامعة هارفارد تخليدا لما أضافت للعلم.

أمنيـــة:


سبحان الله أن النجوم تحتوي على أعظم الأسرار، ومواقعها تصف أروع المعجزات. وأضيف هنا أن الجوانب العلمية الحديثة لقصص النجوم تحتوي على مفاجآت عجيبة، ومنها أهمية إعطاء الفرص لمن يستحقها دون التمييز حسب الجنس أو اللون. أتمنى أن نتأمل في روائع النجوم، ففيها رفع للرؤوس للجميع، وإدراكا للمؤمنين بعظمة الخالق والخلق، والله من وراء القصد.