-A +A
حمود أبو طالب
كان الأسبوع الماضي بداية الموعد السنوي لهطول المطر، الذي شمل هذه المرة عدة مناطق في توقيت واحد. هذا الموعد مع المطر يمكن اعتباره موعداً مع «نزاهة» السماء، أو هيئة كشف الفساد السماوية التي يرسلها الله لتفضح أعمال البشر الذين يحملون مسؤولية إنجاز المشاريع والخدمات للناس، والذين كلفتهم الدولة بذلك وقدمت لأجهزتهم ووزاراتهم الميزانيات الضخمة التي تكفل أفضل درجات الجودة.

هذه المرة انكشفت عورات كثيرة في كل المناطق التي زارها المفتش المطر، فلم تعد الحكاية خاصة بمدينة أو منطقة دون أخرى بل اتضح أن الخراب شامل وعام عندما غرقت بسببه مدن الجبال والسهول والصحاري والسواحل، حتى أبها التي ترتفع ٢٠٠٠ متر عن سطح البحر غرقت تماما، وجعلت مواقع التواصل تتعامل مع وضعها بسخرية لاذعة تطلب تسميتها بعاصمة السباحة العربية بدلا من عاصمة السياحة العربية. وحتى العاصمة الرياض التي تمثل المركز وتدار بقية مناطق المملكة منها ارتبكت وتعطلت كثير من شرايينها بسبب المطر.


تصريحات بعض المسؤولين في وسائل الإعلام كانت رثة، لا استشعار للمسؤولية فيها ولا احترام لعقول الناس. كل طرف يركل مسؤوليته بعيدا عن ساحته، والكل يلقي بالمسؤولية على غزارة المطر غير المتوقعة، وكأنهم لو توقعوها ما كنا شاهدنا تلك السيول والبحيرات تغطي بعض المدن، أو كأن الخلل ليس مزمناً ولن تعالجه الإجراءات العاجلة. إنها نفس الإسطوانة التي نسمعها منذ وقت طويل كلما زارنا المطر، والتي تؤكد أنه لا شيء تغير في فكر المسؤولية أو محاسبة من لا ينهض بها كما يجب. وهذه المرة حدثت مفارقة طريفة عندما نشرت مواقع التواصل صورا لأحياء أرامكو والهيئة الملكية للجبيل ظهرت في حالة طبيعية جيدة بينما المدن الأخرى بجانبها ظهرت في حالة مزرية، رغم تساوي غزارة المطر هنا وهناك. وذلك ما يؤكد أن الخلل ليس بسبب غزارة المطر بل بسبب الفارق الكبير لدى العنصر البشري لناحية التزامه بتنفيذ مشاريع البنية التحتية بالجودة المطلوبة.

لقد عجزت نزاهة الأرض، أو هيئة مكافحة الفساد على الأرض، عن كشف فساد تنفيذ مشاريع البنية التحتية لكن هيئة نزاهة السماء تكشف في زيارة واحدة كل عام لمندوبها المخلص «المطر» كل العوار الذي نستمر في تبريره ومحاولاتنا البائسة لستره، بدلا من اجتثاث أسبابه من جذورها.