-A +A
نجيب يماني
لم يكن تتويج الأمير محمد بن نايف بميدالية «جورج تينت» من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، من قبيل العطاء التشريفي الذي يأتي غالبا في سياق توطيد العلاقات الدبلوماسية، وإبداء مشاعر الود المتبادل بين قيادات البلدان الصديقة؛ بل جاء التتويج اعترافا بالجهود الكبيرة التي ظلت قيادتنا الرشيدة تبذلها في مجال مكافحة الإرهاب ودحره وفضح مخططاته وتعريته وأنهم لا يمثلون الإسلام الصحيح في رشده وتسامحه وتساميه عن أفعالهم الدنيئة التي لا ترتكز على أي مبدأ ديني أو أخلاقي، وتوطين مفهوم السلام الدولي بشكل عملي وعلمي مدروس ظل الأمير محمد بن نايف يمثل إحدى ركائزه الأساسية منذ أن أوكلت إليه هذه المهمة الجسيمة، فاضطلع بها على أحسن وجه، وقدّم فيها عطاء، استحق عليه هذه الميدالية الرفيعة كفاء «العمل الاستخباراتي المميز في مجال مكافحة الإرهاب ونظير إسهاماته غير المحدودة لتحقيق الأمن والسلم الدوليين».. وهو جهد يتسق بلا شك مع توجه المملكة قيادة وشعبا، على نحو ما أكّد ذلك ولي العهد حيث أشار إلى «أن هذه الميدالية ثمرة لجهود وتوجيهات قادة المملكة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله، وشجاعة رجال الأمن وتعاون المجتمع في محاربة الإرهاب»، فهي ميدالية لنا جميعا في وطن الحب والمحبة بضمان محمد بن نايف ورجاله ومشاركة المخلصين لهذا الكيان الكبير وأن الارهاب ورموزه ما هم إلا رجس من عمل الشيطان على أرض الإسلام والسلام.

وقد أكدت كلمات ولي العهد بعد استلام الميدالية استمرار المملكة في مكافحة الإرهاب، وتقليم أظافر التطرف، ساعية بهذا الصنيع المشرق إلى تحجيم وكشف الجهات المغرضة التي تستهدف أمن العالم وسلامته، وتسعى إلى تشويه رسالة الإسلام الخالدة، مع التأكيد المستمر على أن الإرهاب لا وطن ولا دين له، حيث قال ولي العهد: «جميع الأديان السماوية تتبرأ من المعتقدات والأفعال الشيطانية للفئات الإرهابية»، وأن «جميع الآراء الدينية والسياسية والاجتماعية السلبية التي تستخدم الدين كأداة على امتداد التاريخ الإنساني، لا تُعبّر مطلقا عن حقيقة الدين الذي تنتسب إليه، أو تنسب أفعالها له».


إن هذه الإشارات المهمة، في لحظة تتويج بميدالية لها رمزيتها الكبيرة في الاعتراف بدور المملكة في مكافحة الإرهاب الدولي، رسالة حري بها أن تلفت انتباه قطاع من السياسيين، ممن دأبوا على رسم صور نمطية عن الإسلام والمسلمين، بعقد آصرة غير سوية بينهم وبين العمليات الإرهابية، دون تمحيص أو نظر باصر في حقيقة هذه الجماعات، والذهاب عميقا في رسالة الإسلام الخالدة، والنظر في تاريخ الإرهاب، واستجلاء من يقوم به حقيقة وليس ادعاء ورغبة في التشويه، إن هذه الكلمات المضيئة حري بها أن تبعث على الاطمئنان في قلوب العارفين بدور المملكة في محاربة الإرهاب والوقوف مع الحق، وإنكار كل مظاهر الخراب وترويع الآمنين، وإشاعة الفوضى، وهو دور مثبت في أضابير التاريخ، ومشاهد في الواقع المعيش؛ بل ومنظور في المستقبل القادم، إذا ما نظرنا إلى تأكيدات ولي العهد بقوله: «نحن في المملكة مستمرون في مواجهة الإرهاب والتطرف في كل مكان فكريا وأمنيا وأن كل من يحاول العبث بأمن الوطن فإنه سيجد الرد عمليا في الميدان فورا دون أي تأخير».

إن تجربة المملكة في حرب الإرهاب وكشفه تجربة فريدة استطاعت وبقدم من حديد أن تدوس على رؤوس الإرهاب في الداخل والخارج وتكشف عن نواياه وتحفظ السلم الأهلي بعيدا عن مبتغاه. نهنئ أنفسنا وقيادتنا الرشيدة بهذا الوسام الذي تقلده أحد أبناء الوطن المخلصين، وأحد فرسان تاريخنا المعاصر، وأحد العلامات المضيئة حين تكتب الأيام سيرتها، ويعرف العالم من كان يحفظ أمنه ويفدي سلمه وأمنه بروحه ودمه، وتلك غاية نبيلة، وهدف لا تستطيعه إلا النفوس الكبار، التي وطّنت نفسها على فداء الوطن بنفسها، وإشاعة المحبة في ربوع الدنيا، طمعا في عالم يسوده الوئام، ويستوطنه السلام، وتظله الطمأنينة بإذن الله، وسلمت يا وطن.