محمد العباس
محمد العباس
حجي جابر
حجي جابر
-A +A
علي فايع (أبها)
alma3e@

يؤمن كتّاب كثيرون أنّ هناك ضرورة كبرى لتغيير آلية التعامل مع الفعل الثقافي والخروج به من دائرة الرتابة إلى أجواء مفتوحة، وقابلة للتفاعل والمثاقفة، ويقترحون حلولاً للخروج من هذه الرتابة كعقد ورش تدريبية على الكتابة وفق شروط أدبية وثقافية صرفة، إذ يرى الناقد محمد العباس أن مسألة التدريب على الكتابة الإبداعية (عربياً) يُنْظَر إليها على أنها فكرة مشبوهة، لأنّ الإنسان العربي يتعامل بشيء من الريبة والحذر مع مراكز التدريب التي انتشرت كالفطر في كل الحقول، ولأنّ تلك المؤسسات التدريبية لم تتأسس على قاعدة أو مقاصد تنموية حقيقية.


ويضيف العباس أنّ الأمر يزداد صعوبة عندما يتعلق الأمر بالكتابة الإبداعية، إذ لا توجد مراكز متخصصة في هذا المجال، كما أن المثقف العربي ما زال يترفع على فكرة التدرُّب، الأمر الذي يدفعه لتحذير الجيل الجديد من الالتحاق بأي ورشة تدريبية، بل محاربة كل جهد في هذا الاتجاه.

ويرى العباس أنّ زحزحة مثل هذه الاعتقادات المتحجرة ليست بالأمر السهل. حيث لا يتوافر أي أنموذج معياري يحرّض على التجربة. مقابل طوفان هائل من الدورات التدريبية النيئة التي تسيء للإبداع وتشوه فكرة التدريب، كما تتلف وعي وذائقة المتدرب، ويؤكد أنّ هذه المراكز والمعاهد لا تخلق مبدعاً من الفراغ. ولا يمكنها أن تستولد كاتباً من دون موهبة. ولكنها قد تُحسّن من قدراته وتراقب عثرات بداياته. وبالتالي فهي تختصر عليه سنوات من التخبط والتجريب.

ويعتقد العباس أنّ وجود مراكز متخصصة في هذا الشأن يساعد على تغير آليات التفاعل الثقافي التي كانت سائدة في الماضي، إضافة إلى أنّ التدريب على الكتابة الإبداعية صار مطلباً، ومسألة الكتابة الإبداعية مطروحة بجدية ومنهجية في كل الثقافات، إذ يوجد في هذا الحقل من المدربين من تفوق شهرته بعض المبدعين.

فيما يرى الروائي حجي جابر أنّ هناك جدلاً حول جدوى ورش ودورات كتابة الرواية التي أخذت في الانتشار أخيراً، فالرافضون لهذا التوجّه (وهم كثر بالمناسبة) ينطلقون من فكرة مفادها أنّ الكتابة موهبة، والموهبة لا يمكن تقديمها ضمن وصفة ما في زمن قياسي بحيث يتشرّبها الشخص فتكتمل لديه متطلبات الكتابة، بينما يرى المؤيدون أنّ الكتابة ككثير من الأمور التي يمكن تعلّمها بمعرفة مفاتيحها الرئيسية. ويرى جابر أنّ الموهبة لا تُشكّل إلا قدراً يسيراً من المطلوب لإنجاز عمل يحتوي على الحد الأدنى من الجودة، بينما يتكئ العمل الجيد بالدرجة الأساس على بذل الجهد في تطوير الكتابة وتحسينها وامتلاك أكبر قدر من أدواتها، لذا الموهبة وحدها قد تكون مفيدة للغاية في الكتاب الأول، والذي يغرف فيه الكاتب من تجربته الذاتية، لكنها عادة لا تصمد بمفردها في الأعمال التالية، حيث يتطلب الأمر ما هو أكثر.

ويتفق جابر مع العباس في أنّه لا يمكن المضي قدماً دون موهبة حقيقية، لأنّها بمثابة الأساس لكل ذلك الجهد الذي أتحدث عنه، فتعلّم الكتابة دون موهبة يُشبه إلى حد ما تعليم السباحة لشخص دون أطراف يجدّف بها. إنّها تلك الحاسّة التي سترفده بكل الإشارات اللازمة لتلمّس طريقه الصعب والطويل.

ويعترف جابر أنّه مع دورات تعلّم الكتابة، لكنه مع ضرورة تحقّق الموهبة، لأنّ دورات الكتابة لن تخلق لنا لغة جديدة، لكنّها سترشدنا لكيفية استخدامها، ولن تعطينا أفكاراً جاهزة، أو ترسم لنا شخصيات أعمالنا، لكنّها ستخبرنا كيف نلتقطها من الضجيج الذي يُحيط بنا. ويشترط لإحداث أثر أن يكون المدرب كاتباً اكتسب خبرته عبر التجريب والممارسة الذي يحمل كل عمل له شكلاً وأجواء مختلفة تماماً، وليس ذلك الذي أصدر قائمة طويلة من الروايات المتشابهة.