-A +A
عبدالمحسن هلال
أحسن صنعا رئيس المجلس البلدي بمنطقة عسير باستقالته، فهذا ما يتوقع من أي صاحب منصب شجاع لم يتمكن من الوفاء بوعوده، غير أن القضية أبعد من ذلك، تتمثل في لوحة نحاسية تحمل اسم «المجلس البلدي» في كل مدينة، يأتي «ديوانيتها» أناس جيدون مهامهم معروفة ومعلنة، لكنهم لا يستطيعون القيام بها، برغم خوضهم جولة، وربما جولات انتخابية فازوا فيها. يبدو أن وزارة الشؤون البلدية حين أوجدت مجلسهم إنما أرادته حلية أو رمزا لهيئة رقابة صورية، ظنت أنها تنفع ولا تضر، فإذا ضررها، بدون صلاحيات، أكبر من نفعها.

غطت مآسي مشاريع وزارة الشؤون البلدية سوءات مشاريع كثيرة، ضحايا بشرية وخسائر مادية وتعريض سمعة البلد للانتقاد بتناقل وكالات الأنباء صور مدننا الغارقة، ليس نقصا في التمويل وإنما قصرا في الرؤية. سمعنا الوزير يشرح فلسفة تبني مشاريع تصريف الأمطار، مشاريع وقتية لأن تكلفة المشاريع طويلة الأمد خرافية، وكأن ميزانية مشاريع الوزارة ليست خرافية، تشيد مشاريعها بناء على معدلات تساقط للمياه قديمة. يبدو أن الوزارة لا تعرف شيئا عن تغير المناخ، ولا تقرأ عن الانبعاث الحراري، وذوبان جليد القطبين، وارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية، مستشارو الوزارة لا يعرفون عن مشاريع تصريف في دول أخرى تعمر لأكثر من نصف قرن، خبراؤها لا يعلمون أن بعض مشاريع التصريف القديمة، منذ العهد العثماني، مازالت تعمل، أركانها لا يعرفون أن مجرى عين السيدة زبيدة، منذ العهد العباسي، مازال يعمل.


في تنفيذ المشاريع، هناك ثلاثة أضلاع لا رابع لهم، مخطط ومنفذ ومستلم، أي خطأ إنما يتحمله أحدهم أو اثنان منهم أو ثلاثتهم، مخطط ومستلم رسميان وبينهما مقاول، تحكمهم جميعا مسطرة واحدة لمقاييس الجودة. في وزارتنا الموقرة، ومن تبرير الوزير الأخير، يبدو أن الخطأ منهجي مبني على سوء تقدير أنتج سوء تخطيط، ذات التفكير وذات التخطيط منذ أول سد أنشأناه وأول مشروع تصريف سيول عهدناه، نسخ ولزق لمشاريع قديمة بمبالغ جديدة خيالية، وعندما تفاجأ الوزارة بمعدلات تساقط جديدة تكرر حجتها القديمة أنها معدلات غير مسبوقة، مع أن هذه الكميات تتكرر علينا كل عام منذ نحو عقد.

للتخطيط، كما يعرف طلاب السنة الأولى بكليات الإدارة، خطوات لعل أهمها القدرة على التنبؤ وجمع المعلومات، هو استشراف للمستقبل وليس استحضارا للماضي، هو الاستفادة من الطرق البالية لبناء نماذج جيدة معاصرة. كل هذا يعرفه السادة أركان الوزارة فلم لا يطبقونه، هل هي بالفعل أزمة فكر وتخطيط، أم هو نقص مراقبة ومحاسبة؟ لم لا توجه لهم «نزاهة» بعض وعظها، أليس نقصا مهنيا عدم مجاراة علوم العصر، أليس هدرا ماليا تنفيذ مشاريع هلامية تسقطها رشة مطر، أليس استهانة بأرواح الناس وممتلكاتهم تعريضهم للخطر، ألا يكفي ما مر من نذر؟