-A +A
عزيزة المانع
لكامل الشناوي أبيات جميلة يصف فيها معاناته مع الحنين، وكيف أنه كلما عصف الحنين بقلبه، وجد خطاه تقوده بلا وعي منه إلى المرور قرب بيت الحبيبة، فتهيج انفعالاته ويدمى قلبه، الأبيات بالغة التأثير، ربما لما فيها من الصدق والواقعية:

وإذا مررت، وكم مررت ببيتها!


تبكي الخطى مني وترتعد الدموع!

هذه الحالة النفسية التي يصفها الشناوي، تمثل تجربة إنسانية لا يكاد يخلو منها أحد، فالشعور بالحنين يصيبنا جميعا، الحنين إلى مكان ما، شخص ما، زمن ما، شيء ما، تتعدد الرموز التي تثير الحنين، لكن الحنين واحد.

قيس يحن إلى زمن الطفولة وصداقته البريئة مع ليلى:

تعـلقت ليلـى وهـي ذات تمائـم،، ولم يبد للأتراب من ثديها حجم

صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا،، إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم

وابن زريق يحن إلى منزله القديم مع زوجته بعد أن طال ارتحاله وأضنته غربته:

بالله يا منزل القصر الذي درست،، آثاره وعفت، مذ بنت، أربعه

هـل الـزمـان معـيد فـيـك لـذتنـا،، أم الليالي التي أمضته ترجـعـه

ومحمود درويش يحن إلى طفولته وأحضان أمه، (أحن إلى خبز أمي، وقهوة أمي، ولمسة أمي، وتكبر في الطفولة).

الحنين له سلطة قاهرة على النفس، متى أنشب أظفاره في الذاكرة، تفجرت أعاصير الانفعالات، وتاقت النفس إلى إعادة وصل ما انقطع من خيوط السعادة الضائعة، وقد يندفع الإنسان منجرفا بحنينه يستعيد ما حن إليه (خبز أمه، رائحة قهوتها، طفولته، بلدته القديمة، حبه الأول)، لكنه متى فعل وجد أن المذاق لم يعد نفس المذاق، وأن السعادة التي كانت تقطن داخله، لم تعد هناك، فتصدمه الحقيقة ويحس بمرارتها تحرق شفتيه.

فاروق جويدة، مر بتجربة كهذه، عصف به الحنين فقذفه إلى حيث يرجو أن يستعيد دفء علاقة تحطمت، لكن خيبته كانت مريرة:

«فالعطر عطرك، والمكان هو المكان

لكن شيئا قد تكسر بيننا

لا أنت أنت، ولا الزمان هو الزمان»

كثير من الأشياء التي نحن إليها، هي مجرد رموز ارتبطت بلحظات سارة عشناها وسعدنا بها في حينها بفعل ظروف متعددة صاحبتها، قد نستطيع استعادة الرموز لكنا لن نستطيع استعادة مشاعر السعادة التي كانت تجلبها معها.