-A +A
هاني الظاهري
قليل من السعوديين اليوم يتذكرون اسم التنظيم الإرهابي الذي احتل بيت الله الحرام قبل نحو 40 سنة وذبح المصلين الركع السجود أمام الكعبة، بقيادة الهالك جهيمان بن سيف ونسيبه الذي ادعى أنه المهدي المنتظر، ووجد بكل بساطة العشرات من المخابيل الذين اتبعوا دعوته الشيطانية فأهلك دينهم ودنياهم.

اسم ذلك التنظيم لم يكن (جماعة جهيمان) كما يسميه من يتحدثون عنه في المجالس عادة من كبار السن الذين عاصروا الحدث، ولم يكن أيضا (جماعة المهدي المنتظر) كما قد يتوهم من يقرأ بعض التفاصيل عن جريمته النكراء، بل كان يستمد اسمه من استغلال مفهوم الاحتساب ومحاربة المنكرات، وهو لمن لايعرفه (الجماعة السلفية المحتسبة)!


أمس الأول تذكرت هذا المسمى عندما علمت أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على أحد الدعاة الإرهابيين الذين صدعوا رؤوس الناس بالضجيج في شبكات التواصل تحت غطاء الاحتساب بمهاجمة هيئة الترفيه وأنشطتها، ومن قبل ذلك مهاجمة الكثير من الفعاليات التي تشرف عليها أجهزة الدولة، ليتبين أخيرا أنه متورط حتى أذنيه في تمويل التنظيمات الإرهابية في سورية، بل إنه ولشدة بجاحته كان يجمع التبرعات من البسطاء والعوام بطريقة غير نظامية بدعوى شراء مصاحف للسوريين مع شرط وحيد في غاية الطرافة هو أن تكون التبرعات (كاش) وليست مصاحف عينية، والعجيب أن هذا الإرهابي عندما شعر بقرب القبض عليه سارع إلى حسابه في تويتر وأطلق سلسلة من التغريدات ضد هيئة الترفيه مع تهديد رخيص لأصحاب القرار في البلاد كمحاولة ساذجة وقديمة لابتزاز الدولة وإيهام متابعيه من ذوي الميول الداعشية بأنه ضحية الاحتساب عليها.

هكذا يكرر هؤلاء أنفسهم باستمرار منذ القرون الأولى للإسلام، فالخوارج قبل 14 قرنا كانوا يدّعون أنهم خرجوا على الأمة بسيوفهم وأراقوا دماء الصحابة والتابعين بهدف محاربة المنكر أي (الاحتساب) لكنهم بوصف نبي هذه الأمة عليه الصلاة والسلام ليسوا سوى من (كلاب أهل النار)، ذلك لأن المنكر والمعروف مصطلحان لا يحدد معناهما جاهل متطرف صاحب أجندة حزبية ظلامية تستهدف أمن البلاد والعباد، ولهذا السبب قال النبي عن هؤلاء (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) كما جاء في الحديث الشريف.

المشكلة الحقيقية التي يجب أن تعالج في هذا الجانب برأيي الشخصي هي ما نسميه بلهجتنا الشعبية (سعة صدر) أجهزة الدولة الأمنية على هؤلاء المتسترين بالاحتساب الناشطين في شبكات التواصل الاجتماعي، وهو أمر مفهوم مبدئيا في إطار منحهم الفرصة للعودة إلى جادة الصواب قبل أن يضيع مستقبلهم وتتفكك أسرهم بسجنهم، لكن الواقع يؤكد أن هذا الفكر الخارجي فايروس في منتهى الخطورة، وإن استولى على عقل أحد لا يمكن أن يغادره إلا بردعه بالعقوبة النظامية، كما أن منح المتطرف مزيدا من الوقت بدون عقاب قد يسهم في اتباع بعض المخابيل لأفكاره، وأجندته السوداء، تماما كما اتبعوا مجنونا ادعى أنه المهدي قبل 40 سنة وذبحوا لأجله المسلمين أمام الكعبة.. فهل نعي ذلك حقا؟!.