-A +A
عيسى الحليان
السعوديون أولى بالوظائف، والسعوديون أولى ببلدهم، كل هذا أمر لا يختلف عليه اثنان، لكنني لاحظت حساسية مفرطة إزاء تعيين قلة من غير السعوديين في بعض المهن والوظائف العامة وذلك كمستشارين أو خبراء في بعض الهيئات والمؤسسات الحكومية، خصوصا في الآونة الأخيرة، ومثل هذه الحساسيات لم تكن موجودة في الماضي بهذه الصورة، لا تقل لي إن الكفاءات السعودية لم تكن موجودة في ذلك الوقت وهي موجودة الآن، لأنه وإن كان هذا صحيحاً، إلا أن ثمة أسبابا أخرى من بينها عدم قبول الآخر كمنهج يتبلور على أكثر من صعيد، وهي تقلبات في المزاج العام لها أكثر من بعد، إلى درجة أن مناقشة تعيين مستشارين في الخطوط السعودية وصلت إلى قبة مجلس الشورى في جلسة الأسبوع الماضي، وقبل ذلك حازت هذه المسائل على قدر لا يستهان به من النقاش المأزوم في أدوات التواصل الاجتماعي. أنا لا أدافع هنا عن «السعودية» أو غير «السعودية» ولست مطلعا على الأسباب والظروف التي جاءت بهؤلاء والاستعانة بخدماتهم ولا أزكي عقودهم، لكن لماذا كل هذا الظن السيئ وعدم الثقة بالقائمين على هذه المؤسسات من إدارات عامة ومجالس إدارات، ولماذا لا نفترض الحاجة إليهم موقتا إذا كانت هذه المهن لا تصل حتى إلى 1% من إجمالي هذه الوظائف!!

كل دول العالم بما في ذلك الدول التي تسبقنا في عدد السكان وعدد الجامعات ونسبة المهنيين لا تستعيب الاستعانة بالأجانب إلى هذه الدرجة، ولا يزال أبناؤنا يعملون عندهم كطيارين في شركات الطيران ومهندسين في شركات البترول وأطباء في المستشفيات وغيرها.


بعض شركات الطيران من حولنا التي نكيل لها المديح صباح مساء رؤساؤها ومديرو أقسامها أجانب، وفي نفس الوقت فهي تعتمد على الأجانب بنسبة 90% من إجمالي الموظفين رغم وجود البطالة في هذه الدول لكن لم تطرح المشكلة بمثل هذا «النفَس» وعلى هذا النحو من الاحتقان واستخدام أساليب الرهاب الاجتماعي في مواجهة جوانب مهنية صرفة. ليس ثمة جهة فوق النقد وهذا لا يلغي أحقية المواطن في العمل في بلده والاستحواذ على الوظيفة العامة، لكن للعمل أحيانا متطلبات أو أسبابا ربما تخفى علينا وهذا بطبيعة الحال لا يعني تجاهلها بهذه الصورة المطلقة.

في اعتقادي أن استنزاف الفكر الاجتماعي بمثل هذه القضايا الفردية يصرفنا عن طرح وإثارة ما هو أهم وهو توسيع قاعدة هذا القطاع الواعد وتطوير أدواته وإتاحة الفرص لقطاع أكبر من السعوديين من خلال استحداث مزيد من الفرص الوظيفية الكامنة، وهذا ربما أكثر أولوية وجدوى للبلد من مناقشة مهن بعينها أو التوقف عند جنسيات دون غيرها.