-A +A
عزيزة المانع
يقول أحد الكتاب: «لا وجود فعليا لكتابة لا يعيرها القارئ اهتماما».

وأجدني أوافقه الرأي حقا، فالكاتب سواء كان كاتبا ذا مؤلفات، أو في صحيفة، أو مغردا على تويتر، أو مدونا على الفيس بوك، أو غيره، أيا كان ذلك الكاتب، تجده غالبا يفخر - إن صراحة أو ضمنا- بكثرة متابعيه من القراء.


وجود القارئ وتفاعله مع النص، هو ما يبث روح الكتابة لدى الكاتب، إلا أنه ليس كل القراء يعبرون عن التفاعل، فكثير منهم إن لم يكن أغلبهم يفضلون الصمت أمام ما يقرؤون، فلا يدري الكاتب إن كانت كتابته حققت التأثير الذي يرجوه أم لم تحقق!

الكتّاب أنواع، بعضهم ينهج الكتابة الأدبية، التي ترتكز على عذوبة اللفظ، وحسن سبك العبارات، وجمال الصور المرسومة وإثارة الانفعالات.

وبعضهم ينهج الكتابة الفكرية، التي ترتكز على مخاطبة العقل وتعمل على إثارة قوى التفكير والتحريض على التأمل ورؤية الأشياء بمنظار عقلي مختلف.

وبعضهم يقصر نفسه على الكتابة النقدية، التي لا يعنيها جمال اللفظ ولا إثارة التفكير، قدر ما يعنيها إيجاد حل لمشكلة اجتماعية، أو إزالة عقبة تعترض الإصلاح، أو التخفيف من معاناة.

وكما أن الكتاب يتنوعون في نهجهم الكتابي، فإن القراء هم أيضا يتنوعون في تفاعلهم مع النص الذي يقرؤون، كل قارئ يتفاعل مع النص بحسب خلفيته الثقافية وتوجهه الفكري ومستوى ذكائه وسعة معرفته، وإن كانوا جميعا يشتركون في صفة الانجذاب نحو النص الذي يخاطب شيئا ما في نفوسهم، سواء كان ذلك أفكارا تماثل أفكارهم، أو انفعالات تمس قلوبهم، أو احتياجات يفتقدونها ويسرهم أن يجدوا من يتحدث عنها.

في إعلامنا المحلي نلحظ قلة الكتابات الأدبية والفكرية، وغلبة الكتابات النقدية إلى حد الإسراف، حتى أننا نجد أحيانا أنه ما إن يبدأ كاتب بانتقاد أمر ما، حتى تتداعى بقية الأقلام لإكمال ما بدأه، فتعج الصحف و(الهاشتاقات) والمدونات المختلفة بترديد القول نفسه مرات ومرات.

ولعل من عوامل طغيان الكتابات النقدية في الصحافة، إقبال القراء على هذا النوع من الكتابات أكثر من غيرها، فالقارئ العادي لا يمكنك أن تتوقع منه تذوقا لفن أدبي، أو تمعنا في قضية فكرية، بينما هو يعيش في واقع حياته ثقل معاناة صحية أو اقتصادية أو أمنية أو غيرها، لذا هو ينجذب أكثر للكتابات النقدية، التي يراها تهتم بمعالجة قضايا لها مساس مباشر براحته اليومية.

لكن هذا الانحياز نحو الكتابة النقدية، أفقد الصحافة أثرها التقليدي في التنمية الثقافية والفكرية، فباتت منحصرة في إطار معالجة قضايا المجتمع.