-A +A
نجيب يماني
لم تسمح المملكة العربية السعودية بقيام الأحزاب والجماعات السياسية والدينية، وبالتالي لا يمكن ربط توحيد هذه الأرض بلحظاته الصعبة بأي أيديولوجية صحوية أو إخوانية أو غيرها، فموقف المؤسس رحمه الله في رفضه العودة عن مسيرته مفضلاً الموت على أسوار الرياض، داعيا أولئك الذين يرغبون الموت معه إلى الوقوف إلى يمينه والآخرين الذين يفضلون العودة إلى يساره، ولم يتردد رجاله ووقفوا إلى يمينه وصاحوا بصوت واحد «حتى الموت». هذا ملمح بسيط من ملحمة توحيد هذه الأرض والذي قام على عقيدة التوحيد الخالص من نبعها السلفي الصالح. فالمملكة تعلم أن قيام أي أحزاب أو جماعات على أرضها الموحدة، إنما هي دعوة إلى الفرقة وتأسيس للخلاف وتأجيج لنار الفتن. ذكر محمود عبدالحليم في كتابه (الإخوان) بأنهم يقيمون الدولة ويسقطونها وما يتبعها من فوضى ودمار ودماء. سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ بن باز والشيخ عبدالرزاق عفيفي والشيخ عبدالله بن قعود عن حكم تعدد الجماعات والأحزاب في الإسلام وما حكم الانتماء إليها فكان جوابها «لا يجوز أن يتفرق المسلمون في دينهم شيعا وأحزابا، فإنه مما نهى الله عنه وذم من أحدثه أو تابع أهله وتوعد فاعله بالعذاب الأليم»، ويضيف الشيخ ابن باز رحمه الله «لا شك أن كثرة الفرق والجماعات في البلد المسلم مما يحرص عليه الشيطان أولا وأعداء الإسلام من الإنس ثانياً»، ويقول الشيخ ابن عثيمين عن الصحوة الإسلامية «ليس في الكتاب والسنة ما يبيح تعدد الجماعات والأحزاب بل فيهما ذم لذلك»، كما أن الشيخ الألباني يرى أن «التحزب والتكتل في جماعات مختلفة المناهج والأساليب ليس من الإسلام في شيء بل ذلك مما نهى الله عنه»، ويؤكد الشيخ بكر أبو زيد أن هذه القضية مرادفة للاعتقاد «فالجماعات إن استشرى تعددها في جزيرة العرب فهو خطر داهم يهدد واقعها ويهدم مستقبلها ويجعلها مجمع صراع فكري وعقدي وسلوكي، فمن الواجب تنظيف هذه الجزيرة من تلكم المناهج الفكرية المبتدعة والأهواء الضالة، وأن تبقى عنوان نصرة للكتاب والسنة والسير على هدى سلف الأمة حرباً للبدع والأهواء المضلة»، هذه الأقوال تدحض كل من يربط بين ملحمة التأسيس وسمو الهدف وأي أيديولوجية سياسية أو دينية، كما توضح موقف المملكة في وجود أي تنظيم أو تيار على أرضها منذ الدولتين السعوديتين الثانية والثالثة. وقد تحدث الشيخ بكر أبو زيد عن أهمية لزوم السنة والجماعة وعدم الخروج على السياق السلفي، كما أكد على ضرورة أن تكون (الدعوة) إلى الله وفق المنهج الصحيح فهذه الدعوة «توقيفية» أي تتوقف على النص وليست اجتهادية، وهو عكس شعار الإخوان في مسائل الاختلاف في المنهج بأنها مسائل اجتهادية تنظيمية بل أكد على ما أسماه «وحدة الاسم والانتماء» في إشارة إلى أن السلفية بمعناها الشمولي العام غير قابلة لأي انقسام من داخلها، محذراً من مخاطر وجود تنظيمات وأحزاب داخل المجتمعات الإسلامية بشكل عام والمجتمع السعودي بشكل خاص، وأنه في حالة وجود أحزاب وتيارات سيكون الولاء للحزب وليس للإسلام كما يحدث الآن، كما أن فتح المجال للأحزاب يقتضي دخول من ينتسب إلى الإسلام وهو يحاربه بدعوى الاجتهاد، في إشارة إلى الإخوان والجماعات الأخرى التي تعتقل الفكر وتسجنه داخل أفكار المرشد للجماعة الذي تمنحه هذه الأحزاب التقديس والولاء المطلق لأفكاره ومواقفه. إن وجود هذه الأحزاب في المجتمعات الإسلامية أمر بدعي محدث ومن التنابز بالألقاب المذموم شرعا، كما أنها خطر داهم يهدد واقعها ويهدم مستقبلها ويجعلها مجمع صراع فكري وعقدي وسلوكي فمن الواجب تنظيف هذه الجزيرة من المناهج الفكرية المبتدعة والأهواء الضالة لذا فقد رفض المؤسس بذكائه الحاد طلب حسن البنا تأسيس مركز جماعة الإخوان وقال له «كلنا إخوان ومسلمون في نفس الوقت».

يقول صالح الطائي في كتابه (التيار الإسلامي في الخليج) إن تنظيم الإخوان لم يتمكن من فتح فرع له في المملكة ورفضت طلبات قياداتهم بهذا الخصوص، فالدولة السعودية لا تخلط بين الدين والسياسة وهذا ما يؤكده المؤسس على لسان أمين الريحاني. علاوة على اختلاف المفاهيم، فلا يوجد في الإسلام إلا بيعة عامة وتنعقد بموافقة أهل الشوكة والحل والعقد وهو عكس مفهوم الإخوان. فتجربة المؤسس تجربة فريدة لا علاقة لها بأي أيديولوجية وغير مرتبطة لا بصحوة ولا إخوان.. وحدة أكدت على توحيد الهوية والأرض مكرسة المفهوم السلفي كمرادف لمفهوم الإسلام الحقيقي.