-A +A
عبدالمحسن هلال
في عالم اليوم، عالم الكائنات والتجمعات الكبيرة، تطورت مفاهيم ومصطلحات كثيرة في علم العلاقات الدولية، مفهوم الدولة التقليدي كحدود أرضية وعدد سكان ودرجة ثراء أو قوة اقتصاد، لم تعد له ذات الأهمية، على العكس قد تعتبر هذه مصادر خطر تُغري أعداءها والطامعين في السيطرة على مقدراتها ولن يكون بمقدورها وحدها الدفاع عنها، ومفهوم المصالح لم يعد محصورا فيما تملكه الدولة داخل حدودها، وإنما ما يمكن أن تملكه أو تسيطر عليه خارجيا. ساد اليوم المفهوم الحيوي للدولة، أية دولة، بتعدد علاقاتها ونوعية تحالفاتها وحجم استثماراتها، هذه أصبحت تشكل الخط الأول للدفاع عنها وعن مصالحها داخليا وخارجيا.

توجهنا شرقا لا يعني بالقطع قفل الطريق نحو الغرب، بل يقويه ويعضده ويحيطه بسياج تنافسي يدر عوائد أكثر مادية ومعنوية، تنويع وتعديد مصادر ومكامن المصالح المحتملة، بجعلها أكثر شمولا، فرض منهج التنافسية المعروف بين الشركات التجارية، وألغى هيكلة المعادلة الصفرية، لا أحد يستحوذ على كل شيء ولا أحد يخرج صفر اليدين، وانعكس ذلك على مفهوم مناطق النفوذ، ولعل هذا ما نلاحظه في سياستي روسيا وأمريكا حاليا، بعد إدراكهما أن صراعهما أفضى إلى تمدد العملاق الصيني في مربعات الكرة الأرضية. لم يعد أحد يتحدث عن سياسة القطب الواحد أو حتى القطبين، أصبحنا نعايش عالما متعدد الأقطاب، منظومة نظام اقتصادي عالمي واحد بدأت تهتز، والدولار الذي ساد كعملة دولية تراجعت أهميته كثيرا، وبدأت بعض الدول فرض عملتها الوطنية في اتفاقات ثنائية، فكرة العولمة ذاتها بدأت تتراجع، فمنظرها وفارضها الأول، أمريكا، بدأت بالتخلي عنها.


هذه التغيرات الدولية الكبيرة تحتاج تغيرات محلية كثيرة في كل دولة حماية لمصالحها بالمفهوم الجديد للمصالح، وهذا يتطلب الاستعداد لخوض صراعات عديدة وقد يطول بعضها، وليس بالضرورة أن تكون عسكرية، ويتطلب تضحيات هنا لمكاسب هناك. ولعله أفضل من تشبيه عالمنا بالبحر الهائج المضطرب، وهو كذلك بلا شك، أن نشبهه بلعبة «المونوبولي» أو الاحتكار، الكل يتصارع والكل يتعاون، ومن خلال الصراع والتعاون تتحدد المصالح وطرق الدفاع عنها، وتتحقق المكاسب بحسن إدارة الصراع والتعاون. للتعاطي مع هذه المتغيرات العالمية يلزمنا تحرك دبلوماسي كبير يسابق تحركنا السياسي المنتظر، لا يكفي هنا جهود وزارتي الخارجية والتجارة والاستثمار، أو السفارات والممثليات التجارية فيها، هذه أدوات مهمة لكنها تقليدية، العالم اليوم أصبح يدار بالوفود، وفود متخصصة تجوب العالم بحثا في سبل تحفيز التعاون وطرق تخفيض حدة الصراع، وتسعى خلف مكامن المصالح الخارجية، فإن لم تجد خلقتها ونسجتها لتقوية مصادر قوة دولتها.