عبيد العبدلي
عبيد العبدلي
محمد حطحوط
محمد حطحوط
سيف السويلم
سيف السويلم
-A +A
عبدالرحمن باوزير (جدة)
A_Bawazier@

في وقت تشهد مواقع التواصل الاجتماعي تزايداً ملحوظاً في المتابعة والاستخدام، وخصوصاً «سناب شات»، يقف مشاهير عمدوا على التكسب وراء أعداد متابعيهم عبر الإعلانات المدفوعة، وتباينت الآراء حول مشروعية السلوك، بيد أن تمرير الإعلانات بشكل غير مباشر في الفيديوهات والتغريدات، يشكل مأزقاً أخلاقياً ترفضه أدبيات الإعلام والمتابعين، حتى أن بعض المختصين يرون فيه خداعاً للمشاهد ومستخدم الوسيلة.


ويوضح أحد الشبان الذين اكتسبوا قاعدة عريضة من المتابعين أن الإعلانات تبدأ بالتدفق على الحسابات التي يتجاوز عدد متابعيها 20 ألفا في سناب شات، فيما يؤكد تعاطي عدد من زملائه مع الإعلانات غير المباشرة، كونها تدر مبالغ مالية أكبر من الإعلانات التقليدية.

ويكشف مالك لشركة إعلان (فضل عدم ذكر اسمه) لـ«عكاظ» كيفية تمرير الإعلانات غير المباشرة على الجمهور الذي يؤكد تطوره في فهم الحركة الإعلانية، مشيراً إلى أن المسألة لا زالت جدلية بخصوص أخلاقية الإعلان المباشر «هناك فريق يرى ضرورة إيضاح أن الإعلان مدفوع عند جماهيره، فيما يوجد فريق آخر يفضل عدم الالتزام بإعلام جمهوره عما إن كانت مشاركته مدفوعة أو لا».

ويوضح أن العملية تتم بحرص شديد، حتى أن شركته استعانت بإحدى مشهورات «سناب شات» التي تعمد على تصوير يومياتها، للإعلان عن منتج «شاي» بشكل غير مباشر لمدة أسبوع، ولعدد محدود من الثواني، مضيفاً «على المشهورة أن تمسك بكأس الشاي المرسوم فيها العلامة التجارية وتتحدث في أمور عادية مع والدتها، وتكون الكاميرا على الكوب لثوان معدودة ليتكرر المشهد طوال أسبوع، وفي نهاية المطاف تذكر ماركة الشاي وتثني عليها».

ويشير إلى أن المتابعين باتوا أكثر إدراكاً، وأضحى تمرير الإعلانات «مسألة بالغة الصعوبة»، كون مقاطع السناب شات التي تحتوي على إعلان مباشر وغير مباشر لا تشهد تفاعلاً بين المتابعين بحسب ما يؤكده مالك شركة إعلان تعمل وسيطاً بين الكيانات التجارية ومشاهير تطبيقات «التواصل الاجتماعي».

فيما يرى عبدالرحمن الرامس (مالك شركة إنتاج وإعلان في جدة) أن الإعلان غير المباشر أسلوب قديم في الغرب، بيد أنه في السعوديين انفتحوا عليه منذ وقت قريب، «وهذا ابتكار لأن أصحاب الأفكار الابداعية يفهمون السوق».

ويؤكد أن كثيرا من المشاهير يمررون الإعلانات دون أن يلاحظ المشاهد، مستشهداً بتجربتهم في مسلسل درامي على اليوتيوب (شهد مشاهدات ضخمة)، إذ وقعوا عقوداً مع هيئة حكومية في الخليج وشركة اتصال كبرى في السعودية «ولكن نجحنا كوننا نسوق المنتج بحيادية ولم نخدع المشاهد كأن نقدم منتجا سيئا على أنه جيد، وهذا مهم ويدخل في أخلاقياتنا ومصداقيتنا، بدليل أننا نجحنا وتقبل المشاهدون العمل».

ويؤكد الباحث سيف السويلم مؤلف كتاب «الإعلان في الإنترنت.. الاستثمار الجديد» عن دار مدارك ظهور وكالات وشركات تقوم بمهام الربط والوسيط بين بعض مشاهير مواقع التواصل وبعض الجهات، بما في ذلك جهات حكومية للترويج والتعريف ببعض خدماتها وبرامجها ومناسباتها بأنماط وأساليب متنوعة، «لدرجة أننا قد نجد انتقادا حادا لجهة أو منتج ما، وبعدها بفترة نرى مديحا وإطراء للجهة ذاتها من الحساب ذاته».

ويوضح السويلم في حديثه لـ«عكاظ» أن سعر التغريدة الواحدة يصل لدى بعض الشخصيات المحليّة التي تحظى بملايين المتابعين إلى نحو 20 ألف ريال، ويخضع ذلك أيضا إلى مستوى التفاعل وعدد المتابعين، فأحيانا يكون عدد المتابعين كبيرا ومستوى التفاعل ضعيفا، الأمر الذي قد يثير الشكوك في حقيقة أولئك المتابعين، وهذه الحالة تظهر لدى بعض الشخصيات في حساباتهم على «تويتر» و«انستقرام».

ويضيف «بصورة عامة هناك انقسام جماهيري تجاه هذا النوع من المشاركات الإلكترونية، ففئة من الجمهور ترى أن ذلك حق مشروع للشخصيات، ولهم أحقيّة طرح ما يريدون عبر حساباتهم الخاصة، في الوقت الذي ترى فيه فئة أخرى أن ذلك يمثّل استغلالا لها، على اعتبار أنه لولا وجودهم ومتابعتهم لبعض الشخصيات لما استطاعوا تقديم إعلانات تجارية عبر حساباتهم».

يتحفظون.. خشية غضب متابعيهم

يرى الباحث سيف السويلم مؤلف كتاب «الإعلان في الإنترنت.. الاستثمار الجديد» عن دار مدارك أن ثمة حرجا لدى بعض الشخصيات العربية من الاعتراف بأنهم يقدمون خدمات إعلانية مدفوعة لعدد من الجهات والمؤسسات عبر حساباتهم الخاصة بمواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي وتحديداً «تويتر، انستغرام وسناب شات».

ويعزو السويلم في حديثه إلى «عكاظ» تحفظ المشاهير إلى خشية مهاجمتهم بدعوى أنهم يستغلون متابعيهم، أو إلى عدم رغبتهم في معرفة متابعيهم لحجم الإعلانات التي يبثّونها، إضافة إلى خشيتهم أيضاً من فقدان صدقيتهم وموثوقيتهم، وهو ما يجعلهم يتكتمون تماماً على الاعتراف بالإعلان في حال أنه كان مدفوعاً فعلاً.

وعلى النقيض من شخصيات أجنبية اعترفت - بوضوح - أنها استفادت من صفحاتها في تلك المواقع والتطبيقات، وأقرّت بكونها باتت مصدر دخل إضافي لها، حتى أن أسعار بعضهم باتت معروفة -بحسب السويلم.

ويضيف «فمثلاً المغنية سيلينا قوميز التي يتجاوز عدد متابعيها في «تويتر» 46 مليون متابع، يصل إجمالي سعر التغريدة الواحدة مع صورة واحدة على حسابها في «انستغرام» ومشاركة أخرى على «فيسبوك» 550 ألف دولار، أما اللاعب كريستيانو رونالدو الذي يصل عدد متابعيه في «تويتر» إلى قرابة 50 مليون متابع، يصل سعر التغريدة الواحدة لديه إلى 250 ألف دولار، والاستعراضية كيم كاردشيان التي يزيد عدد متابعيها على 50 مليون متابع، فإن قيمة التغريدة الإعلانية الواحدة لا تقلّ عن 10 آلاف دولار، أما الممثل تشارلي شين الذي يزيد عدد متابعيه على 11 مليون متابع فقيمة التغريدة الواحدة لا تقلّ عن 13 ألف دولار، وفي مقابل كل ذلك، قدمت شركة الغذاء الصحي «ويت واتشرز» لاوبرا وينفري 12 مليون دولار مقابل تغريدة واحدة، على رغم أن عدد متابعي «اوبرا» على «تويتر» لا يتجاوزون الـ 36 مليونا، الأمر الذي يعكس أن الأسعار تخضع لأعداد المتابعين ومستوى التفاعل، وكل من هذين العنصرين مكملان لبعضهما».

جدل محتدم.. غياب القانون لا يلغي الأخلاقيات!

تظهر بين الفينة والأخرى تجاذبات ونقاشات حول أخلاقية تمرير الإعلان، فمحمد حطحوط الأكاديمي المتخصص في التسويق أنشأ وسماً (هاشتاق) في موقع التواصل الشهير «تويتر» يطالب فيه بوقف ما اعتبره «جرائم مشاهير سناب شات»، ويرى أن المشكلة تكمن في استغلال المشاهير لثقة متابعيهم في تمرير إعلانات غير مباشرة دون الإشارة إلى أنها إعلان.

ويوضح حطحوط لـ«عكاظ» أن ثمة فرقا بين Product Placement الموجودة في الأعمال التلفزيونية التي تستخدم منتجات لشركات كبيرة في سيناريوهات العمل دون الإشارة إليها أو مدحها، مشيراً إلى أن استغلال مشاهير «مواقع التواصل» ثقة متابعيهم في تمرير الإعلانات دون الافصاح عن الأمر «إشكالية».

ويستشهد حطحوط بالولايات المتحدة الأمريكية التي نظمت إعلانات المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي «في أمريكا يوجد إفصاح ومن حق جهات أن تتطلع على مداخيل الإعلان، والآن لا يوضع إعلان إلا بإضافة كلمة Ad».

واستعرض محمد حطحوط في حسابه بـ«تويتر» نموذجاً لتضييق الجهات المنظمة للإعلان في الولايات المتحدة الأمريكية، قائلاً: «الممثلة والمغنية الأمريكية قوميز بعد تضييق FTC عليها.. تضطر لوضع كلمة إعلان في الانستقرام!».

في المقابل، يرى عضو مجلس الشورى الذي عمل أستاذا للتسويق في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران الدكتور عبيد العبدلي أن أخلاقيات التسويق هي الأشياء التي لم يحددها القانون ولم يمنعها، كالترويج للتدخين تمنعه الأخلاقيات.

وقال العبدلي لـ«عكاظ» إنه يقف ضد الغش بالضرورة، «وعلى المشاهير ألا يعلنوا عن منتج إلا وهم مقتنعون به 100%، وأغلب المنتجات المعلن عنها موجودة في السوق وغير ممنوعة، والمشهور فقط يريد أن يكسب المنتج مزيداً من الشهرة». وأبدى العبدلي خلافه مع من يرى أن تمرير الإعلانات جريمة، وأوضح أن وضع عبارة مادة إعلانية أمر جيد، ولكن عدم وضعه ليس جريمة، «هي تدخل ضمن الأخلاقيات وليست قانون»، مشيراً إلى ضرورة أن يكون في السوق الإعلاني أخلاقيات. ويؤكد تأخر السوق الإعلاني في السعودية تنظيمياً، مطالباً بسن قوانين تنظم السوق، «على أن تتبناه جهة معينة وتكون متحكمة في أنظمة الإعلان، لدي مبادرة ماركتير لمحتوى التسويق والإعلان في السعودية وسأحاول أن توقع أغلب الشركات عليه لنلتزم بأخلاقيات الإعلان».

من جهته، يعتقد الباحث سيف السويلم مؤلف كتاب «الإعلان في الإنترنت.. الاستثمار الجديد» أنه في ظل غياب ضوابط وأخلاقيات محددة وواضحة فإنه من الصعب تحديد ما إذا كان الأسلوب المتبّع لدى بعض الشخصيات المحليّة يعد أخلاقيا أم خلاف ذلك، «لكن على الأقل يمكن القول أن التناقض وعدم الثبات على المواقف والآراء تجاه بعض الخدمات والجهات والسلع والمنتجات لأسباب مادية فقط، يعكس شيئا من عدم احترام الشخصية لذاتها قبل جمهورها». وترى رغد عبدالعزيز في حسابها في «تويتر» أحقية أن يحول المشاهير حساباتهم في «سناب شات» مصدر دخل، بيد أنها تنتقد الكذب والترويج لـ20 منتجا في يوم واحد، معتبرة ذلك «خداعا وجريمة». فيما ترى مغردة أخرى أن «لو كل شخص رفض أن يكون مادة للاستغلال وأوقف استعراضهم الكاذب على حساب حياته لحلت المشكلة، الحل في تثقيف الناس».

«المال» يمرر الإعلانات في يوميات مشاهير

يخفي عدد كبير من مشاهير «مواقع التواصل» حقيقة تمريرهم للإعلانات في فيديوهاتهم اليومية، حتى إن بعضهم يهاجم المسألة في «تويتر» بيد أنه يمارسها في «سناب شات» و«انستغرام» بحسب تأكيدات وكلائهم الإعلانيين.

إحدى مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (يتابعها ملايين على انستغرام)، توضح لـ«عكاظ» عبر شركتها الإعلانية أنها لا تمانع من الإعلانات غير المباشرة، حتى إنها قدمت عرضا دون الاستفسار عن المادة المراد الإعلان عنها، وكان الإعلان غير المباشر في صورة بالـ«انستغرام» بـ15 ألف ريال و 20 ألف ريال للصورتين.

وتشير المشهورة (تحتفظ «عكاظ» باسمها) إلى أن الإعلان غير المباشر في «سناب شات» -تتحفظ عن ذكر عدد متابعيها- يتجاوز الـ60 ألف ريال، على أن تغطي الإعلان بـ10 فيديوهات في التطبيق الأكثر شهرة عند السعوديين.

وتؤكد تخصيصها يوم الجمعة للإعلانات المباشرة، فيما تمرر وسط أيام الأسبوع إعلاناتها غير المباشرة، مشترطة إضافة 2000 ريال على قيمة الإعلان في «انستغرام» حتى لا يحذف.

اللافت أن كل من تواصلت معهم «عكاظ» بخصوص الإعلان قدموا أسعارهم دون السؤال على المنتج، وهذا ما يؤكده عبدالرحمن الرامس الذي يمتلك شركة إعلان وإنتاج لـ«عكاظ» عن وجود «قلة من مشاهير السوشال ميديا» لا تنظر إلى حقيقة المنتجات المقدمة عبر حساباتهم، كونهم يبحثون عن المال، بيد أنه يعاود الاستدراك «أتمنى أن يكونوا قلة».