-A +A
عبداللطيف الضويحي
كل شيء يتحول ويتغير من حولنا ويتطور بنا ومن دوننا، إلا الجامعات السعودية. ومن المؤسف أن أتحدث عن الجامعات السعودية مجتمعةً وككيان واحد وكشيء واحد، مع أن المنطق والعقل يقتضيان التفريق بين جامعة وأخرى، لكن ربط كل الجامعات بنظام واحد وقوانين واحدة وجهة واحدة قيدت المختلف والمتميز من تلك الجامعات وكوادرها وجعلتها كلها كأسنان المشط بالمعنى الروتيني والبيروقراطي والتقليدي السلبي وليس بالمعنى الإيجابي.

لا فرق بين جامعة تعمل في بيئة بترولية عن جامعة تعمل في بيئة زراعية أو بيئة معدنية، لا فرق بين جامعة في المدينة عن جامعة تعمل في الريف، ولا فرق بين جامعة عمرها خمسون سنة وجامعة عمرها خمس سنوات. كل الجامعات تنضوي تحت سقف واحد و نظام واحد وإدارة واحدة. والمفارقة العجيبة أن مرجعية الجامعات كلها هي وزارة التعليم المثقلة ببيروقراطيتها وتقليديتها وروتينها منذ عشرات السنين.


في المجتمعات الطبيعية، الجامعات تقود التغييرات والتحولات في المجتمعات والبلاد، وجامعاتنا عاجزة عن التغيير في أقسامها وكلياتها وتخصصاتها وخلق اهتماماتها بسبب نظام الجامعات المعمول به.

نقرأ الصحف وتتابع النشرات الإخبارية شبه يومي، فلا نجد خبراً واحدا لابتكار علمي من الجامعات التي تناهز الثلاثين جامعة، لا تجربة علمية، ولا اختراعا ولا مشاركة في متغيرات المجتمع الذي يعج بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. متغيرات وتحولات هائلة لا يملك المرء معها إلا أن يسأل ما الفرق بين الثانوية والجامعة؟

إذا لم تشارك الجامعات في الحلول المقدمة لمشكلات الفساد والبطالة والفقر والتحولات الاقتصادية، وإذا لم تشارك الجامعات بالتصدي بالبحث والتجارب لمشكلات مثل مشكلة سوسة النخل والأوبئة والأمراض التي يعاني منها المجتمع من تطرف وإرهاب وأمراض السمنة والسكر والهياط والمضاهاة الاجتماعية والهدر والبيروقراطية وكورونا وغيرها من الأمراض العابرة والمستوطنة، فهل نطلب الحلول من مؤسسات بيروقراطية مثل الصحة والزراعة والعمل والخدمة المدنية؟

كيف نطلب من المجتمع ونطالبه بالتحولات الجذرية من دون أن يكون للجامعات دور في ذلك؟ من الذي يقود التنمية؟ كيف يستقيم تحويل مجتمع تقليدي إلى مجتمع حديث مع وقوف جامعاته على الحياد؟ متى يكون للجامعة دور فاعل مستنيرإذا بقيت جامعاته خارج معادلة التغيير وقيادة التغيير؟ من قال إن دور الجامعات يقتصر على تخريج الطلاب والطالبات؟

هل الجامعات واجهة اجتماعية يحتفي بها مسؤولو المناطق ويحتفي بها ذوو الطلاب بتخرج أبنائهم وبناتهم؟

لماذا نطالب المؤسسات والشركات بالسعودة، ولا نطالب الجامعات أساتذةً وطلابا وباحثين بالانخراط بتقديم الحلول لقضايا المجتمع المتراكمة وإعداد الأجيال لكيفية التعامل مع تلك المشكلات الممتدة من الاقتصاد إلى الثقافة والصحة والصناعة؟

كيف توقع الحكومة على عشرات المشروعات بعشرات المليارات في مجال الطاقة والتصنيع وتوطين التقنية وتحديث البنى التحتية، من دون أن تساهم الجامعات وكوادرها بالدراسات والاستشارات؟

من المهم إيجاد آليات عمل تربط بين مشروع الرؤية 2030 والجامعات، بحيث يسند لكل جامعة الانخراط بقضية من القضايا التي تختلف بها الجامعة عن بقية الجامعات وبحيث تصبح الجامعة مرجعية مستقبلا في هذه القضية، وهذا يساعد الجامعات بأن تخلق اهتمامها الأبرز، فمن غير المعقول أن تسند المهمة لجامعة بعينها فقط لقربها المكاني أو لنفوذها التقليدي أو لأقدميتها التاريخية. هذه الخطوة تخدم الجامعات مثلما تخدم المجتمع. أكرر يجب أن نساعد الجامعات بأن تتلمس نقاط قوتها، ولبعث فكرة المرجعية العلمية وهذا سيكون رصيدا معرفيا مستقبليا لكل جامعة على حدة.

من المهم كذلك التفكير الجدي بالسماح للجامعات من خلال النظام الجديد بالتمايز والاختلاف بين الجامعات، لابد من الاختلاف بين الجامعات على أساس علمي اقتصادي نابع من بيئة الجامعة الزراعية أو البترولية أو المعدنية وغيره.

من المهم كذلك إنعاش ثقافة البحث والدراسات وإشاعتها والأخذ بنتائجها لتسود على أنقاض الثقافة الغوغائية التي أسهمت بإشاعتها وانتشارها وسائل التواصل الاجتماعي، لكن هذه الثقافة لا يمكن أن تكون إلا بإيجاد وتدعيم مظلة فكرية وثقافية بعيدة كل البعد عن التقليدية والبيئة البيروقراطية، بحيث يصار إلى إيجاد هيئة عامة للبحوث والدراسات تتحرر من القيود المالية الحكومية والبيروقراطية الإدارية المعتادة والتي غالبا ما تحول دون أي إبداع وأي اختلاف. ولكي تتحرر من المساواة العمياء بين الجامعات ولا تقع في مرض المحاباة والطهبلة أو البهرجة المشهورة عن بعض الجامعات التي تعقد كل أسبوع مؤتمرا، ولو عدت إليها لمعرفة نتائج المؤتمر الذي عقدته قبل سنة لما وجدت إجابة، ولما وجدت من يجيبك عن تلك المؤتمرات. ولكي لا تبقى الجامعات وفيةً لأسوارها التي تتحصن خلفها ضد الانخراط بقضايا المجتمع والتفاعل معها.