-A +A
عزيزة المانع
عقد الأسبوع الماضي في جامعة الأميرة نورة منتدى دولي حول إعلام الطفل، شارك فيه متحدثون من أمريكا وبريطانيا إلى جانب المتحدثين المحليين، وتناول قضايا عدة تتعلق بالطفولة والإعلام، كواقع الإعلام المتاح للطفل والتأثيرات الإيجابية والسلبية لوسائل الإعلام على الأطفال وأثر الإعلام في تعزيز الهوية الوطنية لدى الأطفال وعلاقة ذلك بالأمن الفكري، كما تضمن عرض بعض التجارب الناجحة في إعلام الطفل في العالم العربي وخارجه.

واقع إعلام الطفل لدينا يشير إلى أنه مهمل كثيرا، وهذا الإهمال يتجسد في أمرين: أحدهما عدم وجود أي ضبط أو إشراف على ما هو متاح للأطفال من برامج إعلامية، والآخر، غلبة البرامج الأجنبية المحملة بالثقافة الغربية على البرامج المحلية، حتى بات إعلامنا نسخة مكررة من إعلام غيرنا، إعلاما لا يعبر عنا ولا يعكس هويتنا وقيمنا ومفاهيمنا، التي نريد سقيها لصغارنا.


واقع الإعلام المتاح لأطفالنا ينبئ بخطر يهدد مستقبلهم، إن لم نتدارك الأمر، فهم من جهة، يتلقون إعلاما أجنبيا يمتصون منه كل ما فيه من أفكار وقيم وثقافة ولغة، ومن جهة أخرى، يتلقون في أكثر المدارس الخاصة تعليما أجنبيا يقدم لهم بلغة غير لغتهم وبخلفية ثقافية غير خلفيتهم العربية والإسلامية.

إن الحقيقة المرعبة التي يجب أن نعترف بها، هي أننا صرنا نربي أولادنا، تعليميا وإعلاميا ليكبروا وهم مذبذبو الانتماءات بلا هوية محددة تجمعهم، فالمظهر غربي، واللسان هجين (عربي/غربي)، والعادات والفكر يتصارع فيها الغربي والعربي. والمحصلة المتوقعة لتربية كهذه، هي أن نحصد مزيدا ومزيدا من أمثال الحالات المؤسفة التي مرت بنا خلال الشهور الماضية، حين رأينا بعض أبنائنا وبناتنا يهجرون وطنهم للعيش في بلدان غربية، معربين عن رفضهم ثقافة مجتمعهم المحلي وضيقهم بالحياة في بلدهم وفق الصورة التي تفرضها الثقافة السائدة.

صحيح إنها حالات نادرة ولله الحمد، لكنها تعد جرس إنذار ينبهنا إلى أن هذا الإفراط البالغ في تقديم الثقافة والتعليم الأجنبيين لأولادنا وهم لما يزالوا في سن مبكرة، جعلهم يكبرون وتكبر معهم انتماءاتهم للثقافة الأجنبية التي نشأوا عليها في طفولتهم فيضعف انتماؤهم إلى ثقافتهم المحلية وهويتهم الوطنية، فيشعرون بالاغتراب داخل مجتمعهم.

نحن في حاجة إلى إنشاء هيئة خاصة لإعلام الطفل، تتشكل من مختصين في علوم التربية والنفس والإعلام، وذلك لتقود الإشراف على برامج الأطفال وثقافتهم بما يربطهم بوطنهم ويرسخ في أعماقهم الانتماء إليه. كما أننا في حاجة إلى دعم شركات الإنتاج المحلية لتنتج برامج للأطفال تحمل الثقافة المحلية وتخدم الأهداف الوطنية التي نتطلع نحو تحقيقها.