-A +A
عزيزة المانع
حين سمعت خبر صدور قرار حكومي في ليبيا يحظر سفر النساء الليبيات دون سن الستين إلى الخارج بدون محرم، ظننت للوهلة الأولى أن القرار صادر عن بعض التنظيمات المتشددة دينيا كداعش أو أنصار الشريعة، التي تنتشر قواتها في بعض المدن الليبية، فمثل هذه التنظيمات لا يستبعد منها صدور قرار مجحف كهذا.

لكني ما لبثت أن عرفت أن التنظيمات الدينية المتشددة بريئة من ذلك القرار، وأن الجهة التي أصدرته هي الحكومة العسكرية في شرق ليبيا التابعة لحفتر وحلفائه، هنا اعتراني الشك في صدق الخبر، فهذه الحكومة ليست تنظيما متدينا، بل إنها في حرب مع التنظيمات المتدينة، فما الذي يدفعها إلى إصدار مثل هذا القرار؟


رجعت إلى تبريرات الحكومة التي رافقت إصدار القرار فوجدتها تبرر إصداره «لدواعي المصلحة العامة وللحد من السلبيات التي تصاحب سفر الليبيات إلى الخارج».

هذا يعني أن القرار لم يصدر تطبيقا لتعليمات دينية تؤمن بها الحكومة، وإنما هو صادر عن تقديرات مدنية وجدت أن (المصلحة العامة) تقتضي فعل ذلك، وأن على الحكومة حماية الليبيات من السلبيات التي تنتج عن سفرهن إلى الخارج بدون محرم!

وبما أن القرار لم يرتكز في مبرراته على خلفية دينية وإنما مدنية، فإننا سنناقشه بلغة هذه الخلفية التي ارتكز عليها لنسأل، في أي القوانين المدنية يحق للدولة أن تصدر قرارات تفرق في المعاملة بين المواطن والمواطنة؟

منع الليبيات من السفر بلا محرم يرافقهن، فيه تمييز ضدهن، وأيضا قصر حظر السفر بدون محرم على النساء دون سن الستين، فيه تمييز بين النساء وفقا لعامل السن، إضافة إلى أن المرأة فوق الستين هي الأكثر حاجة إلى رعاية المحرم ممن هي أصغر سنا!! فأي القوانين المدنية يشرع التمييز بين المواطنين على أساس السن والجنس؟

أين المصلحة العامة التي يحرص عليها قرار كهذا؟ إن كانت الغاية ضبط الانحرافات الأخلاقية التي قد تحدث أحيانا من بعض النساء خارج بلادهن، فإن هذه الغاية لا تكتمل والنصف الآخر من المواطنين لم يضبط سفره، لاكتمالها لابد من ضبط سفر الرجال أيضا للحد من الانحرافات الأخلاقية التي تحدث أثناء سفر بعضهم.

وإن كانت الغاية رعاية المرأة وتخفيف متاعب السفر عنها، فإن المرأة فوق الستين هي الأولى بمرافقة المحرم!

ما نخلص إليه من هذا، أن معظم القرارات المتشددة التي ترمي إلى تقييد حركة المرأة وإبقائها مقيدة بحبل يمسك الرجل بطرفه بعد تجريدها من صلاحيات اتخاذ قراراتها الشخصية، هي قرارات ناجمة عن تفكير تقليدي مشبع بالإيمان بتبعية المرأة للرجل، لكنها تسوق نفسها بالادعاءات الدينية مرة، وبالمصلحة العامة مرة. وجهان مختلفان لمضمون واحد: رفض التفريط في ملكية المرأة.