-A +A
محمد سالم سرور الصبان
لقد انتظرت المملكة عامين كاملين ترفض أن تقوم بمهمة الدفاع عن سوق النفط وحدها؛ إذ ترى أنَّه لابد من المشاركة العادلة في عبء الدفاع عن سوق النفط. وحينما رفضت كثير من الدول هذا المبدأ لجأنا والدول الخليجية الأخرى إلى سياسة الدفاع عن حصتنا في الأسواق، فتقاطر المنتجون الآخرون نتيجة لذلك، وهرعوا يطلبون التعاون ويُبدون استعدادهم للمشاركة في تحمل الأعباء. وأخذنا وقتها زمام المبادرة نحن وروسيا في إقناع الآخرين بضرورة الخروج باتفاق يلتزم به الجميع، وكان لقيادات بلدينا واتصالاتهم السياسية دور واضح في الخروج بما عُرِفَ بـ«اتفاق أوبك». وأثبتت الأوبك أنها لا تزال تنبض بالحياة عكس ما تم تصويره، وهو أنها قد ماتت سريريا.

أمَّا من حيث التطبيق فقد لجأ معظم المنتجين، سواء أعضاء في أوبك أو من خارجها، إلى عدم الالتزام بالتخفيضات التي تم الاتفاق عليها، وكان أحد دوافع عدم التزامهم ركونهم على تخفيض المملكة لإنتاجها بأكثر مِمَّا التزمتْ به، فضعُف لديهم الحافز. وقد تجاوز تخفيضنا لإنتاجنا النفطي مقدار ما التزمنا به بما لا يقل عن (300) ألف برميل يوميا. صحيح أن الأرقام الرسمية لتخفيضات الإنتاج ستظهر نهاية الأسبوع الثاني من شهر مارس الحالي، من خلال تقرير تقدمه دولة الكويت -وهي التي ترأس لجنة الالتزام- إلى الأوبك، إلَّا أن الأرقام الثانوية توضح نسب التزام بعيدة عمَّا تتناقله وسائل الإعلام، وهي التي أظهرت أنها فوق 90% بالنسبة لدول الأوبك.


هشاشة درجة الالتزام باتفاق أوبك

تُبيِّن المصادر النفطية المختلفة أنَّ نسبة التزام دول أوبك بالاتفاق لا تتجاوز (70%)، في حين تصل نسبة التزام الدول المنتجة من خارج أوبك إلى (66%). ولولا تخفيض المملكة لإنتاجها بأكثر مِمَّا التزمت به، لتساوى التزام المجموعتين. وحدث مؤخرًا أنْ تراخت بعض الدول عن الالتزام في ضوء التالي:

1- التفاؤل الكبير الذي بدا من خلال تصريحات بعض وزراء أوبك، التي تشير إلى صيرورة الأزمة التي تعيشها سوق النفط العالمية شيئًا من الماضي، وأنَّ الفائض في المعروض العالمي من النفط قد انتهى إلى غير رجعة، وهذا أمرٌ مغاير للواقع.

2- عدم إعطاء الاعتبار الكافي للإمدادات النفطية من خارج أوبك، وعلى رأسها النفط الصخري الذي أهملنا دوره في الماضي وها نحن نجدد إهمالنا له، على الرغم من البدء بزيادات كبيرة في إنتاجه. ولا زال بعضنا يكرِّر أنَّ النفط الصخري لن يعود، نتيجة ارتفاع تكلفة إنتاجه، مُتجاهلينَ أنَّ التطوُّر التقني قد ساهم وسيساهم بشكل أكبر في الفترة القادمة في تضييق فجوة التكلفة بين النفط التقليدي والصخري.

3- اعتماد دول عديدة على المملكة حاليًّا في ظل تجاوز تخفيضاتها لِما نص عليه الاتفاق. فما ستقوم به هذه الدول من زيادات في الإنتاج النفطي عما التزمت به يُعَـدُّ خرقـًا، سيتم تحييده بتخفيض أكبر من المملكة.

وهنالك دول عديدة غير ملتزمة بالتخفيضات التي قبلت بها في إطار اتفاق أوبك، ومنها فنزويلا والعراق. أمَّا روسيا فلا زالت مُصرَّة على عدم الالتزام، فتخفيضها لا يتجاوز (117 ألف برميل) يوميا من أصل كمية التخفيض التي التزمت بها، وهي (300 ألف برميل) يوميًّا. والحال كذلك فيما يخصُّ بقية المنتجين من خارج الأوبك عدا عُمان.

تحدِّيات سوق النفط في الفترة القادمة:

إنَّ التهاون في الالتزام من قبل منتجي النفط، وإنْ كان سِمةً تاريخية، إلَّا أنَّ الاستمرار فيه -في ظل الظروف الحالية- سيُضعفُ قدرةَ المنتجين على إبقاء أسعار النفط فوق (50 $ للبرميل)، خاصة مع تزايد إنتاج كلٍّ من ليبيا ونيجيريا وإيران، الأمر الذي يعني تزايد الضغوط والأعباء المالية على جميع الدول المنتجة دون استثناء. كما أنَّ ذلك الاستمرار قد يؤدي إلى تفجير خلافٍ بين المنتجين يَصعُب احتواؤه، ويدفع المنتجين الملتزمين نسبيا إلى تجاوز التزاماتهم أُسوةً بغير الملتزمين، وهو ما سيؤدي تدريجيًّا إلى إيقاف العمل بالاتفاق.

لا تزال سوق النفط العالمية هشة وتعاني من ضعف مزمن نتج عن التغيرات الهيكلية التي أصابتها في جانبي العرض والطلب العالمي عليه. ومن يعتقد من وزراء الأوبك أنَّ أزمة الفائض قد انتهتْ وأن السوق قد تعافتْ، قد يُفاجأ بعكس ذلك في الفترة القادمة.

ولعلَّها فرصة حين التقى العديد من وزراء الدول المنتجة للنفط هذا الأسبوع على هامش مؤتمر (CERA) السنوي في هيوستن، أن نكون قد أبدينا والدول الملتزمة بالاتفاق رأينا المتمثِّل في استيائنا من مستوى الالتزام بتخفيض الإنتاج للعديد من الدول ومخاطر كل ذلك على الأسواق.

وختاما -وكما ذكرنا سابقا- فالعرض العالمي من النفط هو أكثر مرونة واستجابة لِتَحَسُّن الأسعار؛ نتيجةَ التطورات التقنية المتلاحقة، يبقى الطلب العالمي أقل مرونة واستجابة للتغيرات السعرية نتيجة انخفاض اعتماد العالم تدريجيا على النفط. وعلى دول الأوبك التَّنَبُّه إلى أنّ تدخلها لتحقيق استقرار الأسعار قد يستمر لفترات طويلة، وإلّا فستعيش فترات من الأسعار المنخفضة التي قد لا تتحملها ماليًّا، وخاصّةً في الأمدين القصير والمتوسط.

* مستشار اقتصادي ونفطي دولي