-A +A
حمود أبو طالب
ورفعتها الرياض، لتكشف عن وجهها المليح الذي كاد يتيبس، فإذا بها لائقة باشتياقها لذاتها، لطبيعتها، لفطرتها..

آه ما ارق الرياض..


ليس تالي الليل فقط يا بدر، بل أوله ونصفه وتاليه وآخره ومبتداه وتفاصيله، وأنت سيد المعنى، الذي يطرز ليلها بنجومه «الوهّاجة» التي لا تشبهها نجوم..

شاخت الرياض، ولأنها الضرع الذي ينتظر منه الجميع تدفق سر الحياة وجمالها، داهمتنا شيخوخة مبكرة، وغير معقولة ولا منطقية، ولا إنسانية.. جفّ الضرع فأصابنا الجفاف، وتضورنا جوعاً للحياة، الحياة الطبيعية، التي عشنا بعض مشاهدها، ثم صرنا شاهدين على موتها، والأصح «اغتيالها». نعم، اغتيالها واغتيالنا، لنكون مجرد كائنات خُلقت قبل لحظة وتنتظر الموت بعد لحظة، ولا بد أن يمر الوقت بين اللحظتين بكثير من الاستعداد للحظة الثانية، والزهد في ما بين الزمن.

الليلة، تعيش الرياض ما بين حرف ونغم، وكلاهما كانا مشبوهين، رغم أنها شهدت ولادة كثير منهما. استيقظنا ذات يوم مشؤوم لنكون مجبورين على الإذعان بأن القراءة خطيرة، والشدو إثم. صرنا قسراً نكتب شهادة وفاتنا قبل أن نكتب شهادة ميلادنا. الليلة استيقظت الرياض، وبحثت عن التميمة المشؤومة لتدفنها في أعماق التراب الذي بدلاً من أن يكون مسرحاً لجمالها، أصبح قبراً لوأدها.

«لاح لي وجه الرياض»

طبعاً يا رياض.

هذا هو وجهك الموشّى بالحسن.

المكحول بالفتنة.

المخصور بالدلال.

وجهك الذي كان نهار الحياة، وليل التبتل لأجل الحياة.

لاح وجهك، وعاد.

وعاد في ليلة ارتعشنا فيها وكأننا نختلسها، لكنها كانت ليلتنا الحقيقية.

يا رياض، طالما ثأرتِ للزمن المختطف، فلا لا تتراجعي، مدي شرايينك في كل الاتجاهات كي نحيا معك.