-A +A
عيسى الحليان
تشير الدراسات الدولية إلى أن المملكة لا تزال تتصدر ترتيب دول العالم في نسبة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وبفارق كبير، وأخص بذلك «تويتر» الذي جاء بنسبة 41% من إجمالي مستخدمي الإنترنت، متخطية بذلك دولا مثل الولايات المتحدة صاحبة هذا المنتج (23%) والصين أكبر دول العالم (19%). وأعتقد أن ليس ثمة ما يدعو للعجب أو الاستغراب من جعْل المواطن السعودي يتربع على عرش هذه الشبكة العالمية، فالأسباب معروفة وإن كنا لا نود أن نعرفها، وهي خليط معقد من عوامل اجتماعية وأيديولوجية وثقافية ونفسية، ورغم الدور الذي أصبح يلعبه هذا الموقع في تشكيل الوعي العام وفق أسس ومتغيرات جديدة، إلا أننا للأسف لا نجد دراسات رصينة تتناول هذا الجانب رغم أهميته ومركزيته في تشكيل الوعي العام أو تأتي على ذكر الأسباب الحقيقية وراء انتشاره بهذه الصورة المفزعة وما سوف يترتب عليه من إفرازات نحو تشكيل أنماط فكرية لجيل جديد لا تزال ملامحه تتشكل في رحم وتجاويف هذه الثقافة الجديدة، وذلك إزاء جملة من القضايا العامة بعضها حساس للغاية لدرجة أن مجرد الإتيان على ذكرها في وسائل الإعلام التقليدية في السابق يعد خطيئة سياسية أو دينية أو اجتماعية، فكيف وقد فلتت قنوات ومنصات الإعلام الجديد برمتها من دهاقنة هذه الرقابات وبغمضة عين وخرجت فجأة من بين أيديهم لتكون بيد العامة وبين يدي من كانوا يحذرون منهم، لتنقلب الحال فجأة وتهتز جملة من المرتكزات التي كانت تقوم عليها أسس وقواعد تداول المعلومة، وليصبح أولئك الذين كانوا يلاحقون هذه الأدوات والمنصات القديمة لعلهم يحظون بشرف كتابة كلمة في صحيفة أو طرح رأي في تلفزيون حكومي، هم من يطارد أشباحهم أرباب هذا الفكر الموجه لعلهم يعيدون بعضا منهم إلى واجهة تلك المنصات القديمة التي آذن الزمن بانتهاء عصرها، في حين كانوا يعتقدون بأن احتكارها وتوجيهها بالطريقة التي يرون سيطول أمدها وراهنوا على ذلك إلى أن جاء «جاك روسي» ببضاعته الجديدة ليمنح كل إنسان منصة جديدة لا تتجاوز مساحتها أصابع اليد الواحدة، ليجتمع فيها المذياع مع التلفزيون والصحيفة مع الكتاب والجوال مع البريد الإلكتروني ومن دون أي رقابات، وليعطي للسوق الإعلامية -بدلا من الرقيب الاجتماعي أو الرسمي- حق تصحيح نفسها بنفسها وفقا لقانون جديد للعرض والطلب لم تتبلور أبعاده وملامحه بعد، وهذا درس كبير لا ينسحب على الإعلام فقط وإنما على كل جوانب شتى الحياة العامة.. فهل من متعظ؟!.